الملخص
تعد الجريمة ظاهرة اجتماعية من صنع الإنسان ، وهي قديمة قدم الإنسان نفسه 0حيث سجل التاريخ لقابيل أحد أبناء آدم أول جريمة ارتكبت في تاريخ البشرية ، بعد أن خلقالله الأرض وما عليها عندما قتل أخيه هابيل ، حيث لازمت الجريمة منذ ذلك الوقت ولازالت المجتمعات البشرية على اختلاف حضاراتها ولغاتها وثقافاتها ، بل وتطورت عبر الزمن في أنواعها وأساليبها وأنماطها ومعدلاتها مع تطور هذه المجتمعات وتقدمها الاجتماعي والاقتصادي والحضاري 0 ولم تكن مدينة مكة المكرمة في يوم من الأيام بمنأى عن ظاهرة الجريمة بشكل عام وجريمة السرقة بشكل خاص ، رغم مكانتها الدينية والتاريخية الموغلة في القدم 0 وغير بعيد عن أذهاننا ما رواه لنا التاريخ عن أول جريمة سرقة حدثت في صدر الإسلام ، وفي مدينة مكة المكرمة تحديداً ، تلك الحادثة الشهيرة التي كانت بطلتها المرأة المخزومية التي سرقت في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام وأقام عليها حد السرقة الشرعي بقطع يدها رغم شفاعة قومها فيها ( الحافظ ، 656هـ ، ص247 ) 0 ولقد انتشرت جرائم السرقة في السنوات الأخيرة في مدينة مكة مثلها مثل معظم مدن العالم الأخرى ، وزادت أعدادها بتزايد أعداد سكان المدينة واتساع رقعتها العمرانية ، حيث سجلت جرائم السرقة تزايداً في أعدادها خلال الفترة ( من 1412إلى 1416هـ ) ، بلغت نسبته حوالي 177 % ، ( وزارة الداخلية ، الكتاب الإحصائي السنوي ، الأعوام من 1412 إلى 1416 هـ ) 0 ويعود ذلك كما يرى الباحث ، إلى العديد من العوامل المرتبطة بوظيفة المدينة الأساسية وسماتها الجغرافية وتركيبتها السكانية ، والتي ساهمت بطريقة أو بأخرى في انتشار وزيادة معدلات جرائم السرقة بها 0 وبما أن الجغرافيا تتميز عن غيرها من العلوم الأخرى بدراسة التباين في علاقة الإنسان ببيئته ، وانطلاقاً من مبدأ اعتبار الجريمة سمة من سمات تفاعل الإنسان مع بيئته بشكل أو بآخر ، فإن هذه الدراسة تسعى إلى تناول ظاهرة السرقة في مدينة مكة ، من خلال التعرف على """" حجمها ، أنواعها ، توزيعها المكاني ، خصائص مرتكبيها ، العوامل المختلفة التي تقف خلف انتشارها """" ، وذلك في إطار الدراسات الأيكولوجية الاجتماعية التي تركز على دراسة الجريمة من خلال ربطها بكافة ظروف البيئة الاجتماعية والاقتصادية والحضارية المحيطة بموقع حدوث الجريمة