نثر الخلفاء في العصر العباسي الأول جمعا وتوثيقا ودراسة /
مؤلف
الخرعان، خالد بن محمد بن صالح،
الملخص
الحمد لله على توفيقه وتسديده ، وبعد ؛ ففي ختام هذه الدراسة أجمل ما وصلت إليه من نتائج أهمها : أن المصادر الأدبية والتأريخية حفلت بنثر الخلفاء ، وقد تداول تلك المصادر – عبر السنين – النساخ كتابةً والقراء تعليقاً ، مما عرَّض ذلك النثر للتصحيف والتحريف ، والحذف والإضافة ، وقد أشرت إلى بعض ذلك في موضعه من الدراسة . ونظراً لتعدد المذاهب الدينية في ذلك العصر ، وتباين الانتماءات السياسية ؛ إندفع أصحاب تلك المذاهب إلى انتحال نصوصٍ تقوي موقفها ، وتخدم أهدافها ، لذا فإصدار الأحكام بناءً على تلك النصوص ، ينبغي أن يأخذ حظه من التحقيق والتثبت . ولم تكن نسبة نثر الخلفاء إليهم بالأمر الهين ، ذلك أن المصادر التي اهتمت بتدوين نثر الخلفاء ؛ لم تعن بمسألة تتبع السند وتوثيق النسبة . لذا فما أثبته للخلفاء من نصوص نثرية أو أهملته ؛ كنتُ متبعاً فيه منهج التوثيق الذي أشرتُ إليه في مقدمة هذه الدراسة ، وعليه فلا أجزم بأن ما قمت به هو القول الفصل في إثبات النصوص أو نفيها ، فقد تأتي الدراسات القادمة بالجديد المفيد . ومما وقفت عنده هذه الدراسة : أن نثر الخلفاء العباسيين في هذا العصر متعدد الفنون ولقد لحظت أن الوصايا والعهود هي الأولى كثرةً ، تليها الرسائل ، فالتوقيعات ، فالخطب ، فالمناظرات . ويعد زمن الخليفتين أبي العباس وأبي جعفر هو العصر الذهبي للخطابة السياسية ، وقد ساعدت الأحداث على توهج هذا الفن خلال تلك الفترة ، فقيام الدولة ، وظهور المنافسين ، أبرزُ تلك الأحداث ، وبعد زمن المنصور أخذ نجم الخطابة السياسية في الأقول ، لتأخذ الخطابة الدينية المكانة والمنـزلة . وفي زمن الفتنة بين الأمين والمأمون ، بدأت الخطابة السياسية في التوهج من جديد ، بيد أن ذلك لم يدم طويلاً ، إذ قتل الأمين ، واعتلى المأمون عرش الخلافة . ولا نكاد نصل لنهاية العصر العباسي الأول حتى نجد ضعفاً واضحاً في الخطابة ، لتحل الرسائل والمكاتبات محلها . ثم إن الناظر في المصادر الأدبية والتأريخية ، يجد أنها لم تحتف بوصايا الخلفاء لأبنائهم ، مثل احتفائها بوصايا المنصور لابنه محمد ( المهدي ) ، فقد فاق الخلفاء في هذا الفن كثرة . ومن خلال ما صدر عن خلفاء العصر العباسي الأول من توقيعات ، فإن هذا العصر بحق هو عصر التفنن والتأنق في هذا الفن ، ومرد ذلك إلى أسبابٍ أشرت إليها في الدراسة الموضوعية لهذا الفن . أما المناظرات ، فلم أجد عند غير المأمون ما يمكن أن يدخل في هذا الفن ، ولذا تصدق على هذا الخليفة صفة فيلسوف الخلفاء العباسيين . وقد كشف المجموع النثري قلت المروي عن الخليفتين ؛ المعتصم والواثق ، فأما المعتصم فربما كانت أميته سبباً في ذلك ، وأما الواثق ، فلم أجد سبباً علمياً مقنعاً يعلل قلت ما أوثر عنه . وقد وقفت من خلال الدراسة الفنية لتلك النصوص على سمات وخصائص أدرجتها في ثنايا البحث ، وأهمها : أن لغة الخلفاء كانت عالية ، وأن جمال الصياغة كان واضحاً من خلال انتقائهم للألفاظ الموحية ، والأساليب الرصينة . ومن المهم الإشارة إلى غزارة ما حوته المصادر الأدبية والتأريخية من نتاجٍ نثري للخلفاء لم يدخل في إطار هذه الدراسة ؛ لأنه قائم على الحوار ، وليس من هذه الفنون المدروسة ، وهو جدير بالجمع والدراسة