الهيثم بن عدي ومروياته في تاريخ دمشق لابن عساكر جمع ودراسة /
مؤلف
المخيزيم، سامي بن سعد،
الملخص
فتعد شخصية الهيثم بن عدي من أهم الشخصيات التي تركت بصمة واضحة في تطور علم التاريخ عند العرب ،فقد أسهم في ظهور الكتابة التاريخية وفقاً للسنين ،هذه الطريقة التي استخدمها من بعده عددٌ كبير من المؤرخين لعل من أبرزهم الطبري، وساهم الهيثم كذلك في التأليف في الطبقات بل قيل أنه أول من ألف في هذا المجال ( ) هذا بالإضافة إلى عشرات الكتب التي أثرت حركة التأليف عند المسلمين بشكل عام . ولكن هذه الشخصية المهمة لم تنل ما تستحقه من الاهتمام والدراسة ؛ ولعل ذلك يرجع إلى فقد معظم كتبه ، وإلى نظرة التضعيف التي وُصم بها من قبل عددٍ من علماء الحديث . ولم يقتصر الأمر على التشكيك في صدقه وضبطه بل تعرض للطعن في نسبه من قبل عددٍ من أشهر الهجائين في عصره مثل أبي نواس و دعبل الخزاعي و علي بن بجلة العكوك وغيرهم . وإلى جانب ما تعرض له الهيثم من تضعيف وهجاء فقد تعرض للسجن كذلك في عهد هارون الرشيد ولم يخرج من سجنه إلا في عهد الأمين . وفي عهد المأمون توطدت علاقته ببني سهل وأصبح من ندمائهم حتى توفي عند الحسن بن سهل في سنة سبع ومائتين للهجرة . تميزت مرويات الهيثم بن عدي بالتنوع والشمول ، ولعل هذا التنوع والشمول هو السمة الغالبة عند الإخباريين في تلك المرحلة المبكرة من مراحل كتابة التاريخ الإسلامي . فقد شملت مروياته العصر الجاهلي ، وعدداً من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبعض المعلومات عن حياة أبي بكر الصديق رضي الله عنه . أما بالنسبة لمروياته عن عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كانت أكثر عدداً من عهد الصديق ولعل ذلك عائد إلى طول عهد عمر إذا قيس بعهد أبى بكر ، وشملت مروياته أيضاً عصر عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما . وشملت مروياته كذلك حياة الصحابة رضوان الله عليهم و الدولة الأموية وجزءاً من الدولة العباسية ،هذا بالإضافة إلى مولد عدد من العلماء ووفياتهم وكُناهم وطبقاتهم . تعد مرويات الهيثم بن عدي من المصادر المهمة للتاريخ الإسلامي ورجاله وذلك لعدة أسباب منها : أ-تقدم هذه الروايات وقدمها ، حيث توفي عام 207هـ . ب- اعتراف عدد من المؤرخين الثقاة بفضل الهيثم وجلالة قدره في الأخبار والسير . ج- اعتماد عدد من المؤلفين التالين لعصره على مروياته واعترافهم ضمناً بأهميتها والرجوع إليها لتحقيق الشمولية لمؤلفاتهم . ولعل اختياري لكتاب ابن عساكر تاريخ مدينة دمشق كمصدر لمرويات الهيثم بن عدي بسبب الكم الكبير من روايات الهيثم التي حفظها لنا في ظل عدم وصول معظم مؤلفات الهيثم إلينا إلى الآن . بالإضافة إلى أن شهرة تاريخ دمشق لابن عساكر جعلت الناقلين منه والمختصرين له كُثر مما سيوفر لهذه الدراسة – بإذن الله – مجالاً أرحب لمقارنة النصوص ومناقشتها ، لأن كتاب ابن عساكر تعرض بفعل عوامل الزمن لبعض التلف والفقدان ، فحينما نقرأ مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر الذي قام ابن منظور بوضعه تنشط النفس للاستمرار في هذه الدراسة ،حيث أورد نصوصاً فقدت من الكتاب الأصلي . ومن أسباب اختياري لتاريخ دمشق لابن عساكر أهمية هذا الكتاب والجهود الكبيرة التي بذلها مؤلفه رحمه الله في سبيل إخراجه على الوجه المطلوب ،ولكن ابن عساكر رحمه الله توفي قبل أن ينهي كل الأعمال المتعلقة بذلك الكتاب ،مما عرض كتابه لبعض التصحيف والخلط بالإضافة إلى الآفات التي يمكن أن تصيب كتاباً ضخماً مثل كتابه ، لذلك أحببت أن أرد نوعاً من جميل ذلك الرجل علينا من خلال خدمة مؤلفه وإبراز الجهود الكبيرة التي بذلها في هذا الصدد . وقد استفدت في هذا البحث من عدد من الكتب التي ألقت الضوء على جوانب مهمة في حياة الهيثم بن عدي ومؤلفاته المفقودة بالإضافة إلى الكم الكبير من المواضيع التي تطرق إليها الهيثم في مروياته، ومن أهم هذه الكتب طبقات ابن سعد التي استفدت منها من جهتين : الأولى : طريقته في تنظيم المادة التاريخية الكبيرة. الثانية: المادة التاريخية الكبيرة التي أستفدت منها في مناقشة مرويات الهيثم . ومن المصادر المهمة التي أفدت منها كذلك مؤلفات الشيخين الجليلين الإمام الذهبي والإمام ابن حجر العسقلاني. حيث تميزت مؤلفاتهما بالتنوع والشمول وأحكامهما بقدر كبير من الموضوعية والتجرد. وهنا تحسن الإشارة إلى مُؤلف جليل للحافظ مغلطاي وهو إكمال تهذيب الكمال حيث استدرك على الإمام المزي صاحب تهذيب الكمال استدراكات مهمة ،ومما ساهم في أهمية هذا الكتاب بالنسبة لهذه الدراسة هو رجوع الحافظ مغلطاي إلى عدد من المؤلفات المفقودة للهيثم بن عدي مما ساهم في توضيح بعض التصحيف التي تعرضت له عدد من مرويات الهيثم . ومن الكتب التي استفدت منها كذلك الكتب الأدبية التي وجدت فيها معلومات مهمة عن عدد من المواضيع التي تطرق لها الهيثم في مروياته ومن أهم هذه الكتب عيون الأخبار والعقد الفريد والأغاني مع بعض التحفظات عليه ، ومن الكتب الأدبية المهمة أيضا البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي ، والتذكرة الحمدونية لابن حمدون. ومن المراجع الحديثة التي أفادتني في إلقاء الضوء على شخصية الهيثم مجموعة من المقالات التي أعدها الباحث جاسم مهاوي حسين في مجلة البلاغ العراقية التي تناول فيها جوانب من شخصية الهيثم بحيادية وُبعد عن إلقاء التهم جزافاً على الهيثم بن عدي. واستفدت كذلك من رسالة دكتوراه للباحث / طلال الدعجاني حول موارد ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق .