من وصف بلفظ مقبول في تقريب التهذيب للحافظ ابـن حجـرالعسقـلاني من غير رجال الصحيحين من أحمد بن أيوب الضبي حتى حفص بن عبد الله الليثي دراسة وتحقيق /
مؤلف
السنـاني، عصام بن عبد الله بن حمد،
الملخص
أ- أهمية الموضوع وأسباب اختياره : * أهمية الموضوع : لقد اصطلح ابن حجر في كتابه ""التقريب"" على مراتب للرواة ، ذكر فيها لفظ ''المقبول'' في ""المرتبة السادسة"" ، وحَدَّه بقوله:""من ليس له من الحديث إلا القليل ، ــــــــــ (1) المجروحين(1/6). (2) الجواهر والدرر(2/683). ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله ، وإليه الإشارة بلفظ ''مقبول'' حيث يتابع ، وإلا فلين الحديث""أ.هـ. فهل هذه الشروط التي ذكرها الحافظ مطردة في جميع من ذكره في كتابه ممن حكم عليه بذلك الحكم ؟ ثم هل الحكم عام فيمكن تطبيق ما ذكره الحافظ من الشروط على غير رجال ""التقريب"" ؟ أم هو خاص بكتابه ، وسمة لا تتعداه ؟ وذلك لأن المحدثين يطلقون لفظ ''المقبول'' ـ في المشهور ـ على غير ما ذكره الحافظ هنا ، فيكون الإشكال أن هذا اللفظ يتجاذبه مدلولان : الأول : المعنى العام ، أي أن المقبول هنا يدخل فيه كل ما ليس مردوداً ، كما قال السخاوي : … والأقسام فيمـن يُجهـل جهالـة العيـن فليس يقبـل وباطـنٍ وظـاهـرٍ للأكثـر وقبلـوا ذا باطـنٍ في الأشهر(1) فهذا المراد به القبول العام للراوي فيشمل الثقة ومن دونه ممن هو في حيز القبول ، ومثاله ما ذكره الحافظ ابن حجر نفسه عن شيوخ عبد الله بن أحمد بن حنبل حين قال:""حكم شيوخ عبد الله القبول إلا أن يثبت فيه جرح مفسر لأنه كان لا يكتب إلا عمن أذن له أبوه فيه""(2) ، وقولـه أيضاً:""أحمد وعلي بن المديني لا يرويان إلا عن مقبول""(3) ، أي في دائرة القبول. الثاني: المعنى الخاص الذي أراده ابن حجر من هذا اللفظ بشروطه التي ذكرها في تعريفه ، فجعله في المرتبة السادسة من مراتبه في الجرح والتعديـل ، ولـم يُسبق ابن حجر ـ فيما أعلم ـ لإدراج لفظ ''مقبول'' في مراتب الجرح والتعديل ، حتى جاء بعده السيوطي في ""الألفية"" فذكر هذا اللفظ مع ما يشبهه ، فقال ــــــــــ (1) الغاية في شرح الهداية(1/200). (2) التعجيل(2/173). (3) التهذيب(5/70). بعد ذكر المرتبة الخامسة : يليـه مـع مشيئـةٍ ""أرجو بأنْ"" ""لا بـأسَ به"" ""صويلحٌ"" ""مقبـولُ"" عن(1) أما جريان هذا اللفظ وما في معناه قبل الحافظ فهو وارد في بعض نصوص الأئمة ، قال الإمام أحمد عن رجل:""رجل صالح أو مقبول""(2) ، وقال الأزدي عن آخر:""اختلفوا فيه ولا بأس به ، وحديثه مقبول كثير المنكر""(3) ، وقال ابن حبان عن رجل:""ربما أخطأ ، حدث بالعراق بمقدار عشرة أحاديث مقبولة""(4) ، وقال الذهبي عن آخر:""كوفي مقبول ، لينه شعبة والنسائي ، ولم يترك. قال النسائي: ليس بالقوي. وضعفه أحمد""(5). وقال عن آخر:""تابعي مشهور مقبول ، قال النسائي : منكر الحديث ، ووثقه ابن معين. واختلف قول ابن معين فيه""(6) ، وقـال عن آخر:""مقبول ، لم يترك""(7). فهل هذه الاستعمالات عند هؤلاء الأئمة لها علاقـة بمصطلح الحافظ ؟ خاصة أنها جاءت هنا فيمن هو وسط أو يخطىء أو له مناكير. ومن ثَمَّ هل لفظ ''مقبول'' ـ على اصطلاح الحافظ ـ متداول بين العلماء ومعروف معناه عندهم قبله ؟ وهل ما اشترطه ابن حجر فيه له قاعدة منضبطة تنطبق على جميع من وصفوا بذلك في ""التقريب"" ؟ أو على غيرهم ممن يقاربهم في الجرح والتعديل ؟ فلعل هذه الدراسة تبين شيئاً من حقيقة هذه الإشكالات من الناحية العملية. * أسباب اختيار الموضوع : الأول : الأهمية البالغة لنقد رجال الحديث ورواة الأخبار نقداً علمياً للتمييز بين ــــــــــ (1) الألفية مع شرح الأثيوبي(1/387). (2) الكامل(4/1609). (3) التهذيب(2/50). (4) الثقات(9/139). (5) المغني(1/19). (6) المرجع السابق(1/125). (7) الكاشف(1/76). صحيح الحديث من سقيمه ، لئلا يدخل في الإسلام ما ليس منه ، وذلك محض النصيحة للأمة ، قال لفاطمة بنت قيس حين سألته عمن خطباها:""أما أبو جهم فلا يضع العصا عن عاتقه ، وأما معاوية فصعلوك لا مال له""(1). قال السخاوي:""النصح في الدين أعظم من النصح في الدنيا ، فإذا كان النبي نصح المرأة في دنياها ، فالنصيحة في الدين أعظم""(2)أ.هـ. الثاني : مكانة وإمامة صاحب ""التقريب"" ، والذي يعتبر خاتمة الحفاظ ، حيث ترك أثراً واضحاً في الحديث وعلومه ، وهذه الدراسة ستكشف عن جانب من جوانب شخصية هذا العالم الفذ في علم الجرح والتعديل. الثالث : قلة من تعرض لبحث منهج ابن حجر في كتابه ""التقريب"" بحثاً علمياً على الرغم من أهمية الكتاب ، فلعل في هذه الدراسة ما يفيد في ذلك. رابعاً : اعتماد كثير من الباحثين على ""التقريب"" في دراسة الرواة وصدورهم عن حكمه تعديلاً وتجريحاً ، وما يترتب على ذلك من الحكم على الأحاديث صحةً وضعفاً ، ومن ثَمَّ الفتوى بالحلال والحرام في الأحكام ، وهذا مما يشحذ الهمم لمثل هذه الدراسة ، ولا أعلم دراسة علمية لمصطلح ''مقبول'' عند ابن حجر ، فلابد من خوض غمار هذا المجال ـ بعد الاستعانة بالله الواحد الأحد ـ من طرق عدة : 1- الجمع بين النظرية والتطبيق في هذه الدراسة : حيث تُدرس حال الراوي ، ثم تدرس بعض مروياته. ففي هذا نفع عظيم. 2- محاولة اقتناص شوارد العبارات لابن حجر في ثنايا كتبه المختلفة ، فذلك أسلم الطرق لفهم مراده في موضوع الدراسة ، فانظر إلى قوله ـ رحمه الله ـ عن رواية حديث:""وأخرجها ابن خزيمة في ''صحيحه'' ، ومقتضى ذلك أن يكون عنده مقبولاً ، فكأنه أخرج له في المتابعات ، وكذا صنع الحاكم""(3). (1) رواه مسلم(10/334-3681) ، كتاب الطلاق ، باب المطلقة ثلاثاً لا نفقة لها. (2) الإعلان بالتوبيخ(100). (3) التعجيل(1/307).