المسائل الأصولية التي نسب للحنفية الانفراد بها جمعا وتوثيقا ودراسة /
مؤلف
السياري، دليل بنت سعود،
الملخص
وقد توصلت من خلال هذا البحث إلى النتائج التالية: 1- أن مذهب الحنفية مذهب مستقل في بعض أصوله و قواعده الفقهية ، والتي خالف فيها بقية المذاهب ، ويظهر ذلك من خلال المسائل الأصولية التي ثبت عنهم مخالفة الجمهور فيها، ويترتب على هذه المسائل عدد من الفروع الفقهية في مختلف الأبواب ، الأمر الذي يدل على مدى تميز هذا المذهب وشخصيته الاستقلالية. 2- نسب إلى الحنفية العديد من المسائل التي خالفوا فيها الجمهور ، وعند البحث والتحقيق ثبت لدي عدم صحة ذلك ؛ إما لموافقة الجمهور لهم فيها ، ومن ثم لا تعد من المفردات ، وإما لأنها تكون مما انفرد به عالم من علماء الحنفية ، واشتهر عنه ذلك ، فنسب القول إلى جمهور الحنفية. 3- في بعض المسائل التي نسب إلى الحنفية الانفراد بها ، وجد أنها مما قال به الإمام أبو حنيفة واشتهر عنه ذلك . وأما علماء المذهب فلم يوافقوه فيها ، ولكن العلماء في الغالب لم يفرقوا بين ما انفرد به الإمام أبو حنيفة ، وما انفرد به المذهب الحنفي في جملته. 4- وفي مقابل ذلك: وجد هناك كثير من الأصول التي نسبت إلى الإمام أبي حنيفة -رحمه الله-، وشاعت عنه ، وعند التحقيق لم تكن النسبة إليه صحيحة ، وإنما هي أصول أتباعه والإمام بريء منها. حتى قيل : إن الإمام أبا حنيفة قد ظلم مرتين : فقد ظلمه أولاً من خلط مذهبه برأي أصحابه ، وشاب فروعهم بأصله . وذلك أمثال الصاحبين أبي يوسف ومحمد بن الحسن ، وزفر بن الهذيل ، والحسن بن زياد اللؤلؤي ، وبشر بن غياث المريسي ، ونوح بن أبي مريم وأبي عصمة المروزي ، وأسد بن عمرو البجلي. فالمذهب الحنفي ليس فقه أبي حنيفة فقط ، ولكنه فقه من مزجوا أقاويلهم أيضاً بقوله ، وقد تجاوز هؤلاء الأتباع في كثير من المواطن أصول أبي حنيفة في التفريع والتخريج المذهبي ، وخالفوا آراءه في كثير من المسائل والقضايا ، حتى قال ابن عابدين في مقدمات الحاشية : حصلت المخالفة لأبي حنيفة من الصاحبين في نحو ثلث المذهب ( ) . 5- نسب إلى الإمام أبي حنيفة القول بأن القرآن اسم للمعنى فقط دون النظم. وهو بمعناه شامل للأحكام جامع للأركان ، وقد استدلوا على ذلك بأن قراءة القرآن بالفارسية في الصلاة تجزئ ، وعند التحقيق وجد أن ذلك لم يثبت عن الإمام ، وأن الصحيح عنده : أن القرآن اسم للنظم والمعنى ، إلا أنه لم يجعل النظم ركناً لازماً في حق جواز الصلاة . وقد قال الصاحبان أبو يوسف ومحمد بن الحسن : إنه لا تقبل القراءة بغير العربية إلا في حالة العجز عن العربية . 6-اشتهر الإمام أبي حنيفة بحرصه الشديد في باب السنة ، حتى إنه لم يعمل بكثير من الأحاديث النبوية ، وردها لوجود العلل فيه . وبناءً على ذلك وضع قواعد لقبول الخبر مخالفاً بذلك ما عليه الجمهور ، فترتب على ذلك عدد من المسائل الأصولية في باب السنة انفرد بها الحنفية عن الجمهور. 7-كان علماء المذهب الحنفي كغيرهم من علماء المذاهب يرجعون بعد القرآن إلى السنة، ويجعلونها بمنـزلة المبين لـه ، ويرون أن المتواتر منها قطعي الثبوت ، ويذهبون إلى أن المشهور يرتفع إلى مرتبة اليقين أو قريب من ذلك ، وأنه يزاد بها على الكتاب. أما خبر الواحد ، فقد وقفوا منه موقفاً فيه احتياط وتثبت ، ولذا فإنهم يخصونه بشروط للتثبت من صحته واعتباره من سنة الرسول . فإذا ثبتت الرواية أخذوا بها ، وقدموها على القياس. وقد أثر عن الإمام أبي حنيفة أنه قال : (( كذب والله وافترى علينا من يقول : إننا نقدم القياس على النص ، وهل يحتاج بعد النص إلى قياس؟ )) ( ) . وبناء على هذا ، فليس من منهج الحنفية تقديم القياس على ما ثبت عن الرسول حتى ولو كان خبر آحاد . أما إذا كان هناك شك في رواية خبر الآحاد يرجع إلى مخالفة الراوي للخبر ، أو يرجع إلى أنه أمر تعم فيه البلوى مما يقتضي شهرته ومع هذا لم يشتهر ، أو يرجع إلى أن الراوي غير فقيه والخبر يخالف القياس ، فإنه عندئذً لا يطمئن إلى رواية الخبر ، خاصة أن الوضع والاختلاق على الرسول قد شاع في منطقة العراق في عصره -أي الإمام أبي حنيفة- ، ولم تكن الصحاح قد جمعت، ولا تم وضع الموازيين الضابطة لقبول الأخبار كما حدث بعد عصره. لذا كان الإمام أبو حنيفة ومدرسته يتشددون فيما يشترط في الراوي للتوثق من صحة رواية الحديث، فهم كغيرهم يشترطون في الراوي العدالة والضبط ، ولكن الحنفية شددوا في معنى الضبط ؛ إذ التزموا ضبط ، المتن وضبط معناه فقهاً وشريعة ( ) . 8- اشتهر عن الحنفية قبول المرسل من الآثار حتى أنهم قدموه على المسند ، وقد كان قبول المرسل من الأحاديث أمراً شائعاً في عصر الإمام أبي حنيفة ؛ لأن الثقات من التابعين الذين التقى بهم، أو بتلاميذهم كانوا يصرحون بأنهم يرسلون اسم الصحابي إذا كانوا قد رووا الحديث عن عدة من الصحابة ، فقد روي عن الحسن البصري أنه كان يقول : كنت إذا اجتمع أربعة من الصحابة على حديث أرسلته إرسالاً . وعنه أنه قال : متى قلت لكم حدثني فلان فهو حديثه لا غير . ومتى قلت : قال رسول الله : سمعته من سبعين أو أكثر . وبعد هذا العصر كثر الكذب على الرسول ، فاضطر الناس إلى الإرسال ؛ ليتأكد من صحة الحديث وصدق رواته.