مسؤولية البنك التجاري عن أعماله المصرفية في الفقه والنظام
الملخص
فإن الله تعالى أنزل كتابه للناس هادياً لحياتهم، مبيناً فيه أحكامه تفصيلاً وإجمالاً، وأمرهم باتباعه والتزام أحكامه في جميع شؤونهم، ولما كان الاقتصاد عصباً للحياة، وكانت البنوك هي العمود الفقري للاقتصاد، أصبح من الضروري أن يتناول الباحثون هذا المجال بالدراسات والبحوث حتى تنزَّل عليه أحكام الشرع الحنيف، وبناء على ذلك فقد جاء اختياري لموضوع (مسؤولية البنك التجاري عن أعماله المصرفية في الفقه والنظام) ليكون سهمي للإصلاح في مجال البنوك، لما لها من أهمية عظيمة في المجتمعات، وتأثير خطير في جميع شؤونهم، وهي مسؤولية متعددة نتيجة لكثرة متعلقات الأعمال التي تقوم بها البنوك، وتظهر أهمية الموضوع في النقاط التالية: أولاً: تعد البنوك اليوم من أعظم المؤسسات تأثيراً في حياة الناس الاقتصادية والمعيشية على المستويين المحلي والدولي، لذا فهي تحظى باهتمام كبير من الاقتصاديين والنظاميين على حدٍّ سواء، ويظهر ذلك في كثرة الأنظمة الحاكمة لأنشطتها، وتطور هذه الأنظمة من وقت لآخر حتى تواكب النمو المطرد لأعمال البنوك؛ وقد ساعد على هذه السرعة في النمو تطور الوسائل والأجهزة التقنية التي دخلت بصورة كثيفة في أنشطة البنوك، وتجدُّد هذه الأجهزة بسرعة كبيرة؛ وكل ذلك يزيد من أهمية البنوك، ويجعل الحاجة لدراستها ومواكبة تطورها نظامياً أمراً مُلِحّاً. ثانياً: يُلحظ أن وضع الأنظمة الحاكمة لأعمال البنوك لا يواكب سرعة تطور هذه الأعمال، وتجدد آفاقها ووسائلها التقنية؛ لذا فإن الدراسات والبحوث في هذا المجال تظل دائماً مفتوحة أمام الباحثين تكميلاً للنقص الذي ينجم عن سرعة تطور أعمال البنوك مع التباطؤ النسبي في وضع النظم المواكبة، ومعلوم أنه كلما تشعبت الأعمال وتوسعت ازدادت المسؤوليات المترتبة عليها. ثالثاً: إن البنوك العاملة في الساحة اليوم تستهدي في غالب أحكامها - فيما عدا البنوك الإسلامية - بالنظم الوضعية التي تسير عليها البنوك الغربية، فهي لذلك لا ترى للربا حرمة، ولا لأحكام الشرع الضابطة للنشاط الاقتصادي مكاناً في التطبيق، مما يوقع كلاً من العاملين بتلك البنوك والمتعاملين معها في خطر محاربة الله تعالى! وقد تكون حجة كثير من أولئك: أنه ليس هناك بديل عن هذه القوانين الوضعية. وهنا يأتي واجب الدراسات الشرعية الجادة لتقديم البديل الشرعي. رابعاً: إن البنوك في المملكة العربية السعودية تستند في كثير من أعمالها المصرفية إلى نظام مراقبة البنوك الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم م/2 بتاريخ 22/2/1386هـ إلى جانب بعض النظم الخاصة ببنوك معينة. وهذه النظم المصرفية المعمول بها بحاجة إلى بحوث ودراسات يُستَهْدَى بها في إكمال النقص الموجود إضافة إلى تجديد وتحديث تلك النظم. كما أن المملكة تقرر أن كل الأنظمة المعمول بها يجب أن تكون موافقة للشريعة الإسلامية، كما نصت على ذلك المادة الثانية من النظام الأساسي للحكم، وعليه فإنه بجانب الحاجة لإكمال النقص في أنظمة البنوك فإن الداعي لمراجعة النظم المعمول بها وتخليصها من شوائب المخالفات الشرعية يظل قائماً، لاسيما وأن الكتابات المتعلقة بذلك قليلةٌ مقارنةً بالحاجة إليها. خامساً: إن منهج المعهد العالي للقضاء في بحوثه يقوم على تأصيل الأنظمة لتتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، إضافة إلى مقارنة تلك الأنظمة مع أحكام الفقه لإبراز محاسن الشرع الحنيف الذي أنزله الحكيم العليم، والخبير بمصالح خلقه؛ فهذه الدراسات والبحوث تسهم في إقناع المرتابين في كمال الشريعة وصلاحها لكل زمان ومكان، كما أنها تزيد المؤمنين بها إيماناً ويقيناً؛ وتحقيقاً لذلك تأتي هذه الدراسة. سادساً: ركزت غالب الدراسات التي تناولت أعمال البنوك من الوجهة الشرعية مقارنة بأنظمة البنوك على الجانب التأصيلي لمدى مشروعية تلك الأعمال من حيث الأصل دون الخوض في الجانب التفصيلي، مما يجعل الحكم مجملاً، ودون أن يقدم حلاً لتجاوز المحظور الشرعي في بعض تلك الأعمال؛ فضلاً عن أن موضوع مسؤولية البنك عن أعماله المصرفيه لم أجد فيه كتابةً مستقلة مقارنة بالفقه.