الملخص
فقد حظيَ أدباءُ هذا البلدِ بالدراساتِ المتخصصةِ التي تقتضي الإسهامَ في تقديمِ آثارهمِ وتقويمها، وفي ذلك محبةٌ ووفاءٌ لأولئك الرواد ، ولكن لماذا لا نتذكرُ حقَّ أُدبائِنا إلا بعد رحيلهم؟ وهل هذا الحقُّ مقصورٌ على الأدباءِ الذين رحلوا ؟ أليس للأحياءِ حقٌّ في ذلك؟ . الواقع أنه إذا كانَ للراحلينَ حقٌّ فللأحياء حق أيضاً ، ففي دراسةِ أعمالهِم كشفٌ عن ملامحِ أدبهم الأصيل وسماتِه وفنياته المتفردة مما يُشيعُ الفرحَ في نفوسهم ، ويحفزُهم على مزيدٍ من العطاء ، وهذا الكلامُ في الحقيقةِ ما ذكرتهُ إلا لشعوري وإحساسي بأثرِهِ على الأستاذ حسين باشا سراج في أولِ اتصالٍ بيننا ، فعندما أخبرته برغبتي في دراسةِ أعمالهِ ، وطلبتُ منه تزويدي بما قد أحتاجُ إليه ، قال على الفورِ : ((هذا وسامٌ أفتخرُ بهِ وأعتزُ)) . لا شكَ أنَّ دراسةَ أعمالِ الأحياءِ تعطيهمُ دافعاً وتشجيعاً ، وتكسبُهم فخراً واعتزازاً ، وهذا ما لمسته في إجابةِ الأستاذِ سراج ، فقد تسربَ إليهِ أثرٌ من هذا الإحساس فدفعه هذا الشعورُ ليقولَ ما قاله . وبعد أنْ لمستُ تجاوباً من سراجٍ مكنني من التعرفِ على مؤلفاتِهِ الكثيرة ، عقدتُ العزمَ على أنْ يكونَ مجالَ دراستي لنيلِ درجةِ الماجستير ، لأكشفَ اللثامَ عن موهبتهِ الفنية وشخصيتِه الأدبية . إنَّ ما وجدتُه عند صاحبِ الدراسةِ من أعمالٍ ليدلُ دلالةً قاطعةً على أنه مكثرٌ فيما يكتبُ بينه وبين نفسهِ في قرطاسياتٍ متعددةٍ ، لكنه يضنُ بها على المطابع ، حيث وضعها في صناديقَ وأغلقَ عليها ، لأسبابٍ تتراوحُ بين الانصرافِ للدراسةِ التعليميةِ والارتماءِ في غياهبِ المهام الإدارية والسياسية التي تقلدها، إضافةً إلى فقدانِ الوعي الثقافي لدى أصحابِ المطابع ودورِ النشر . ومهما يكنْ من أمرٍ فإنَّ هذه الأسبابَ ما كان ينبغي لها أن تحولَ بيننا وبين ما أبدعه الأستاذُ سراجُ ، وأحبُّ أنْ أشيرَ إلى أنَّ هذا التقصيرَ من قبلِهِِ كان سبباً لعزوف النقاد والدارسين عنه ؛ لأن ما هو مطبوعٌ من أعماله لم يكفِ لكتابةِ دراسة مستقلة ، ولذا حاول هذا البحثُ أن يسلطَ الضوءَ على كلِّ ما أبدعه سراجٌ سواءً ما كان مطبوعاً منه وما كان قيد الطبع .