شعر الكتاب في مصر والشام في القرن السادس الهجري
مؤلف
ابن عتيق، إبراهيم عبد الله،
الملخص
تناولت هذه الدراسة شعر الكتّاب في القرن السادس الهجري في مصر والشام من الناحيتين الموضوعية والفنية، وقد انتهت إلى عدة نتائج أجملها فيما يلي: بدأت الدراسة بتمهيد كشف عن الأحوال السياسية والاجتماعية والثقافية في مصر والشام خلال هذا القرن، وتبين أن هذا القرن كان مليئاً بالصراعات السياسية والعسكرية بين المسلمين والإفرنج.كما تميز بكثرة الصراعات الداخلية والحروب بين المسلمين أنفسهم. وقد كان لهذه الأحوال السياسية أثرها في الحياة الاجتماعية، حيث عانت الشعوب من نظام الإقطاع ومن آلام الحصار والضيق والأسر، إلى جانب ما واجهته من صعوبات جرّاء المجاعات والزلازل التي ضربت أنحاء متفرقة من البلاد، في حين كانت الطبقات الراقية في المجتمع تعيش حياة الترف والبذخ. وأفصحت الدراسة عن تعدد الاحتفالات وتنوع الأعياد ولا سيما زمن الدولة العبيدية، ولم تخل مجتمعات المسلمين في ذلك الزمن من بعض المظاهر السيئة والمخالفة للشرع من مجون وتهتك وشرب للخمور. كما أشارت الدراسة إلى الحياة الدينية حيث ضم المجتمع فئات دينية ومذهبية متعددة، فهناك أهل السنة وهم الأكثرية، وهناك بعض الفرق المبتدعة، إلى جانب أهل الذمة من يهود ونصارى الذين لقوا الرعاية والعناية التامة من الحكام المسلمين حتى وصل بعضهم إلى المناصب العالية في الدولة. وفيما يتعلق بالحالة الثقافية أوضحت الدراسة ازدهارها ونشاطها، وكان وراء ذلك أسباب عديدة من أبرزها تشجيع الحكام والأمراء للعلم وتكريمهم للعلماء، يضاف إلى ذلك إنشاء المدارس والأربطة والزوايا، والعناية بالمكتبات، كما كان للمساجد أثرها الواضح في تنشيط الحركة الثقافية وازدهارها. وتعرض التمهيد إلى الحديث عن الطبع والصنعة في الشعر، حيث استعرضت الدراسة عدداً من آراء النقاد – قديماً وحديثاً – في هذه القضية تبين من خلالها اختلاف الآراء حولها، وأن الشعر العربي منذ عصوره الأولى لم يعدم ألواناً من الصنعة البديعية، التي كانت تأتي عفوية دون قصد، لكن مع تقدم الزمن بدأت الصنعة تبرز وتطغى في أعمال عدد من الأدباء، حتى أصبحت مظهراً بارزاً في أدب هذا القرن ولا سيما عند الكتّاب الشعراء. وفي الفصل الأول جاء الحديث عن مصادر شعر الكتّاب، وظهر فيه أن ذلك الشعر كان موزعاً بين الدواوين الشعرية، والمصادر الأدبية، وكتب التراجم، والمصادر التاريخية، وبعض المصادر الأخرى. وكان النتاج الوافر من الشعر من نصيب أصحاب الدواوين وهم القاضي الفاضل، والعماد الكاتب، وابن سناء الملك، أمّا غيرهم من الكتاب فقد كان شعرهم قليلاً وموزعاً بين المصادر المختلفة. وقد أشارت الدراسة إلى بعض الأشعار التي لم ترد في دواوين الكتّاب الشعرية. واختص الفصل الثاني بالحديث عن العوامل المؤثرة في شعر الكتّاب، وكان من أبرزها وأقواها الأحداث السياسية المختلفة التي شهدتها مصر والشام في هذا القرن؛ فقد فتقت الأحداث السياسية المختلفة -ولا سيما الحروب الصليبية- أذهان الكتّاب الشعراء، وألهمتهم الأفكار والصور، وحفزتهم إلى نظم الأشعار المتنوعة من وصف للمعارك، ومدح للقادة والمجاهدين، وهجاء للأعداء والمتخاذلين إلى جانب الأشعار التي تستنهض الهمم في مواجهة المعتدين وتحرير بلاد المسلمين وفي مقدمتها بيت المقدس. ولمكانة الكتّاب السياسية والاجتماعية أثر في شعرهم اتضح ذلك من خلال فخرهم بوظيفة الكتابة وعملهم في الدواوين، والإشادة بأثر أقلامهم في الحياة السياسية، إلى جانب نظم الأشعار في طلب الوظيفة والعمل داخل الدواوين الرسمية. كما أدى قرب الكتّاب من الحكام والسير معهم حيث ساروا إلى تعدد قصائد الحنين ومقطعاته الشعرية لدى بعضهم. ومن العوامل المهمة في شعر الكتّاب: تكوينهم الثقافي وما يملكونه من رصيد علمي كبير حتى إنه كان عدد منهم من أصحاب المؤلفات المشهورة، وقد انعكست آثار هذا العامل على شعرهم من خلال تعدد الاقتباسات من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وكثرة التضمين، وتأثر كثير من معانيهم بمعاني المتقدمين وأفكارهم وكذا صورهم الفنية. وتأتي أحوال المجتمع لتكون أحد العوامل المؤثرة في شعر هذه الفئة، وتمثل ذلك في ظهور المعاني الماجنة في الشعر والغزل بالمذكر ووصف الخمور التي كان يتعاطاها عدد من الحكام والأمراء، وكان للأعياد المتعددة في المجتمع أثرها في الشعر حيث شارك بعض الكتّاب بقصائد التهنئة أمام الحكام والأمراء. وانعكس أثر الوضع الاقتصادي والاجتماعي على بعض المعاني كالاستجداء بالشعر وجعله وسيلة للرزق وطريقاً للثراء.