أثر مقاصد الشريعة الإسلامية في التّكاليف الشّرعيّة : دراسة تأصيلية تطبيقيّة
الملخص
فإنّ الشريعةَ الإسلاميةَ نزلتْ من قِبَلِ خالقِ البشريّة – الذي له ملك السموات والأرض –؛ لتحقّقَ لها المصالح والمنافع أو تكثّرها، وتقطع عنها دابر المفاسد والمضار أو تقلّلها؛ كي تسعدَ في حياتَيْها العاجلة والآجلة. وهي شريعة تمثّل "" عدل الله تعالى بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظلّه في أرضه، وحكمته الدّالة عليه وعلى صدق رسوله - - أتمّ دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي مَنْ استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل، فهي قرّة العيون، وحياة القلوب، ولذّة الأرواح، بها الحياة والغذاء، والدواء والنور، والشفاء والعصمة، وكلّ خير في الوجود فإنّما هو مستفاد منها وحاصل بها، وكلّ نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسومٌ قد بَقيتْ لخربتِ الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله - سبحانه وتعالى – خرابَ الدنيا وطيَّ العالم رفع إليه ما بقيَ من رسومها؛ فهي عماد العالم وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة ""( )، وهي نظام الخالق البارئ – جلّ ثناؤه –، رُسم على ما يتناسب مع طبيعة المخلوق، ويتلاءم مع فطرته، ويتوافق مع قُدراته؛ لإخراجه من ظلام الكفر الدامس إلى نور الإسلام الساطع، في وقت كانت البشريّة تتعثّر بين وحشيّة ضارية ضالّة، وهمجيّة زائغة غاوية؛ فاستبدّتْ فيهم مذاهب فاسدة، وأفكار هدّامة، ومبادئ باطلة، وتقاليد بالية، وطقوس جاهليّة؛ فأنزل اللهُ تعالى في تلك الظروف - الغاوي أهلُها، والدامس ظلامُها - شريعتَه الغرّاء؛ فأشرقت الأرض بنورها وامتلأت بها عدلاً ورحمةً وضياءً، وشملتْ مصالحُها مرافق الحياة كافّة، فانقاد لها المسلمون واحتكموا إليها، فكفلتْ لهم السعادة في المعاش والمعاد.