التوضيح في شرح التنقيح تأليف أبي العباس أحمد بن عبدالرحمن اليزليتني القَرَويّ المالكيالشهير بـ : حلولو (ت898هـ) تقريباًدراسةً وتحقيقاً من بداية << أقل الجمع >> إلى نهاية الكتاب
ولما نظرت في مباحثه وتأملت مسائله ؛ قوي عزمي واشتدت رغبتي في تحقيق ما بقي منه وهو من مسألة << أقل الجمع >> إلى نهاية الكتاب ؛ وذلك للأسباب التالية : 1- اهتمام مؤلفه – في كثيرٍ من المواطن – بذكر الفروع الفقهية إما توضيحاً لمثال ، أو تنقيحاً لثمرة اختلاف الأقوال . وهذه ميزة عزيزة في كثيرٍ من كتب الأصول التي جرت – في الغالب - على ذكر الأصول مجرّدةً عما يوضحها من الفروع الفقهية ، مما أدَّى إلى غموض مباحثه وصعوبتها في أحيانٍ كثيرة . 2- عنايته باستيعاب أقاويل العلماء في المباحث الأصولية ، حتى إنه ليصح أن يوصف بأنه كتاب أصول فقه موازن ، ولا مرية في أن الإحاطة بآراء العلماء في المسائل الاجتهادية في غاية الأهمية ؛ ليتمكن الناظر فيها من الترجيح ، وليتأتى له اختيار ما يرى أنه هو الصحيح . 3- أنه من آخر كتب حلولو الأصولية ، فقد ألّفه في مرحلة النضج والعطاء بعد أن خَبِر التأليف ومارس التصنيف . فتقرّر لديّ أن تحقيقه سيكون – إن شاء الله – إضافةً جديدةً للمكتبة الأُصولية الفقهية المعاصرة ، وخدمة لمتن << التنقيح >> الذي لا يتوفر بين أيدينا من شروحه – على كثرتها – حاشا نزرٍ يسير . * * * وكان هذا الشرح قد طبع في المطبعة التونسية في شعبان من سنة ثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة على هامش << شرح التنقيح >> للقرافي . إلاَّ أن هذه الطبعة – وإن أفادت ردحاً طويلاً من الزمن – لا تغني عن تحقيقه ؛ وذلك للأسباب التالية : 1- كثرة التحريفات والتصحيفات الواقعة فيها حتى إن بعض الصفحات تبلغ الأخطاء فيها عشرةً ما بين تصحيف وتحريف ، ولا نكاد نجد صفحةً واحدةً خِِلْوَاً من ذلك( ) . 2- كثرة ما فيها من سقط الكلمات والأسطر ، بل فيها سقطٌ يقدر بخمس صفحات من المخطوط من آخر مسألة << الاستثناء المتعقب للجمل >> إلى أول الفصل الثاني من << باب الشروط >> وفاقاً للنسختين اللتين رمزت لهما بـ (ب ، ج)( ) . 3- إضافة إلى ما يحتاجه الشرح من توثيق نصوصه ، وتفسير غريبه ، والترجمة لأعلامه ، ونحو ذلك مما يتطلبه التحقيق العلمي الذي تفتقده هذه الطبعة . * * * ولما شرعت في تحقيق هذا الكتاب ، وطفقت أَعُبُّ وأملأُ منه الوِطَاب( ) ؛ اعترضني بعض الأمور الصعاب التي لقيت منها عَرَق الجبين ، ولكن كما قيل : غمراتٌ ثم ينجلين ، وكان أبرز هاتيك المصاعب : 1- أن الشارح – رحمه الله – ينقل نصوصاً كثيرةً ويَنْسُج بينها من غير أن يبين نهاية المنقول إلاّ ما ندر . مما دعاني إلى تتبع جميع هذه النصوص والتمييز بينها . ورُبَّما نقل عن عالمٍ ثم نقل عن آخَرَ ثم قال : (وقال…) فيذهـب وَهَلي( ) – بادي الأمر – إلى أن المراد آخر مذكور منهمـا ، لكن يتبين – بعد البحث – أن المراد به الأول( ) . 2- أنه يعتصر كلاماً مطوّلاً من عدة صفحات فيضعه في خلاصةٍ مركّزةٍ من غير إرشادٍ إلى ذلك ، فيظل الباحث إن يدري أين موطن النص – الذي تغيّرت معالمه – إلاّ بعد جهدٍ طويلٍ . ولاسيما إذا كان النقل من كتابٍ ما يزال مخطوطاً . 3- عِلاَوةً على كثرة مصادره – التي لا تزال طائفةٌ منها غير مطبوعة – فإنه ينقل كثيراً من المطولات ولا يذكر مكان نقله غالباً ، ولا أعثر عليه في مَظِنته ، فيضطرني ذلك إلى قراءة كتابٍ أو كثيرٍ منه ، وربما انقلب البصر – بعد ذلك – وهو حسير . ولعمرو الله كم ذهب جهدٌ مضنٍ في مطالعة << المدونة >> ، و << البيان والتحصيل >> لابن رشد ، و << إكمال المعلم >> للقاضي عياض ، و << إكماله >> للأُبِّي ، و << أبكار الأفكار >> للآمدي ، و << التحقيق والبيان >> للأبياري ، وغيرها من المصادر المتنوعة من أجل توثيق نصٍّ والتحقُّق منه . 4- أنه لم يلتزم في استعمال لفظ << الإمام >> اصطلاحاً محدداً ، فحيناً يطلقه على أبي المعالي الجويني ، ويطلقه حيناً آخر على الفخر الرازي ، وربما أطلقه على أبي عبدالله المازري ، وفسّره ذات مرةٍ بالجويني وكان المراد به الرازي( ) . وهذا لا يُعلم إلاّ بالتتبع ومعاناة المصادر . وقد كان لهذه الصعوبات أثر في تأخير إنجاز رسالتي مع دأبي على إدمان البحث وتقليب وجوه النظر فيها ، ولكن قديماً قيل : رُبَّ حثيثٍ مكِيث .