من قال فيه الحافظ ابن حجر في التقريب مقبول وهو من رجال الصحيحين :: جمعا ودراسة /
أسباب اختيار الموضوع : كان لاختياري لهذا الموضوع عدة أسباب ، أجملها في التالي : أولاً : من أعظم حقوق المصطفى – صلى الله عليه وسلم – الذبُّ عن سنته ، وذلك بتمييز صحيحها من سقيمها ، وتنقيتها مما قد يشوبها ، وهذا شرف عظيم يجتبي إليه الله من يشاء من عباده . ولا سبيل إلى ذلك إلا بمعرفة أحوال الرجال الذين نقلوا إلينا سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -. ولذلك فقد نال علم الرجال الحظوة عند المحدثين ، والمكانة السامقة . وكتاب « تقريب التهذيب » من الكتب التي عنيت بهذا العلم . ثانيًا : تعلق هذه الدراسة بكتاب « تقريب التهذيب » الذي جعله كثير من الباحثين حكمًا في رجال أصحاب الكتب الستة ، فعدلوا به وجرحوا ، وصححوا به وضعفوا ، فاكتسبت هذه الدراسة أهميتها من أهمية هذا الكتاب ، وشرف العلم متعلق بشرف المعلوم كما هو معلوم . ثالثًا : مع أن أهمية هذا الكتاب على نحو ما ذكرت ، وشهرته بين العلماء والمتعلمين على ما قدمت فقَلَّ من تعرض للتعريف به ، وبحث منهج مصنفه فيه ، لا سيما في رسالة علمية متخصصة . رابعًا : إمامة الحافظ ابن حجر – رحمه الله – فهو حافظ عصره ، وأوحد دهره ، شهد له بذلك شيوخه قبل تلاميذه – كما سيأتي إن شاء الله في ترجمته -. والنظر في شيء من مؤلفاته ، والوقوف على كلامه في أحوال الرجال يُكسب الناظر – ولا شك – خبرة ومعرفة ، ويفتح له أبوابًا من العلم كانت خافية . خامسًا : دراسة كتاب « تقريب التهذيب » توجب النظر في أصليه « تهذيب الكمال » للحافظ أبي الحجاج المزي – رحمه الله -، و « تهذيب التهذيب » للحافظ ابن حجر ، ولا يخفى ما لهذين الكتابين من المكانة والأهمية بالنسبة لكتب الرجال ، مما سيجعل الباحث على صلة وثيقة بهما على وجه الخصوص ، وسيتيح له التعرف على أشياء كثيرة ، منها مدى استيعاب الكتابين لأقوال أئمة الجرح والتعديل في الراوي ، وطريقتهما في سياق تلك الأقوال ، وغير ذلك . سادسًا : لفظ « المقبول » الأصل فيه عند أهل الحديث أن يستعمل في الحديث المقبول قبولاً عامًا ، فيكون شاملاً للحديث الصحيح والحسن ، قال السيوطي في التدريب (1/177) في آخر كلامه عن الحديث الحسن : من الألفاظ المستعملة عند أهل الحديث في المقبول : الجيد والقوي والصالح والمعروف والمحفوظ والمجود والثابت أ.ه. كما يستعملونها أحيانًا في الراوي استعمالاً شاملاً . للثقة ومن دونه ممن هو في حيز القبول ، قال ابن حجر في التهذيب (9/114) : أحمد وعلي ابن المديني لا يرويان إلا عن مقبول . ومعلوم أنهم يستعملون في هذه المناسبة كلمة « ثقة » أكثر من استعمالهم كلمة «مقبول» اه. أما ابن حجر رحمه الله فقال في مقدمة التقريب : السادسة من ليس له من الحديث إلا القليل، ولم يثبت فيه ما يترك حديثه من أجله ، وإليه الإشارة بلفظ « مقبول » حيث يتابع، وإلا فلين الحديث . اه. وهذا الاستعمال عند ابن حجر مغاير تمامًا لاستعمالات العلماء لهذا اللفظ فحديث أهل هذه الرتبة – حسب اصطلاح ابن حجر – من باب الضعيف إلا إذا وُجد متابع ، ولعل هذه الدراسة بينت هذا الجانب من الناحية العملية ، وهل تتوافق مع اصطلاح ابن حجر أم لا ؟ سابعًا : انفراد الحافظ بهذه المرتبة – مرتبة المقبول – وخفاء مراده بها على كثير من أهل العلم المشتغلين بهذا الفن ، دفع البعض للطعن في هذا الإمام ، والتقليل من شأن كتابه «تقريب التهذيب»، وتحميل الحافظ ما لا يحتمل ، وهذا - مع الأسف -، تطاول ، ومسلك مشين يجب أن ينأى أهل العلم بأنفسهم عنه . ولست أدعي العصمة لابن حجر ، فهو كغيره من البشر عرضة للوقوع في الخطأ ، لكن ينبغي البعد عن التهويل والمبالغة ، والحرص على تلمس الأعذار قدر الإمكان . ثامنًا : للصحيحين مكانة لا تخفى ، ولرجالهما مزية على سائر الرواة ، وإطلاق ابن حجر لفظ « مقبول » على بعض رجالهما أمر قد يشكل ، ودراسة هؤلاء الرواة ، والنظر في شيء من مروياتهم سيبين سبب هذا الإطلاق من ابن حجر ، وهل استوفى هؤلاء الرواة الشروط التي وضعها ابن حجر لأهل هذه الرتبة أم لا ؟ تاسعًا : التعرف عن كثب على كتابي الجامع الصحيح لمحمد بن إسماعيل البخاري ، وصحيح مسلم بن الحجاج – رحمهما الله – فهما أصحّ الكتب بعد كتاب الله - عزّ وجلّ – وذلك بالنظر فيهما ، ومعرفة كلام العلماء في رجالهما ، والوقوف على المواضع التي أخرج فيها الشيخان لهؤلاء الرواة موضوع الدراسة . عاشرًا : هذا الموضوع سيكشف جانبًا من جوانب شخصية هذا العالم الفذ في علم الجرح والتعديل ؛ خصوصًا وأن له مؤلفات عدة تتعلق بهذا العلم الذي هو من أهم ما يُعنى به المحققون الذين يميزون بين الصحيح والسقيم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . تلك عشرة كاملة آثرت الكتابة في هذا الموضوع من أجلها .