Abstract
إن الحمد لله , نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} {يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن كان عليكم رقيبا } {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما} أما بعد : فإن العلم بالله تعالى ومعرفة ما ينبني عليه الإيمان به عز وجل من توحيده بأفعاله وأسمائه وصفاته وما يستحقه من أنواع العبادة الخالصة لمن أجل العلوم والمعارف التي تتسامى الآمال للاستزادة منها ؛ لذا فقد حرص أهل العلم الشرعي في القديم والحديث على الاستزادة منه , ومعرفة أركانه وقواعده ؛ ومن ثم كتابة المصنفات المتعددة فيه , فلا تكاد ترى عالما مبرزا إلا وله في هذه الأصول مقالات وآراء . ولظهور الانحراف في منهج التفكير عند علماء الأمة تأثرا بالتيارات المبتدعة والأهواء المضللة ؛ تباينت تلك المصنفات والاتجاهات أشد التباين , واختلفت المفاهيم وتغايرت حول تلك الأصول والمبادئ , التي كان العلم بها كما فهمها السلف الصالح محل اتفاق وإجماع في العصور المباركة . وقد تعددت مظاهر ذلك الانحراف ما بين سلوك واعتقاد وفكر وطريقة في الفهم والاستنباط, كنتيجة حتمية وثمرة لازمة لانحرافهم في مصادر التلقي ومناهج الاستدلال فتأكد الدفاع عن الحق نتيجة لذلك , إذ معرفته فقط لم تعد كافية ؛ حيث عمت البلوى بانتشار البدع العقدية في إرجاء البلاد الإسلامية , وذلك تحت مسميات المذاهب المختلفة ؛ كالفرق التي استجدت في واقع الأمة المسلمة , بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم , وأصبح من الواجب التصدي لهؤلاء المبتدعة بما يحصل به إظهار الحق ورد الباطل , وذلك بالعودة إلى منابع الصدق واليقين : الكتاب والسنة , دون تعسف أو جور وإنما بتحري العدل والإنصاف تأسيا بمنهج الكتاب والسنة وهدي علماء السلف رضي الله عنهم , فليس الهدف هو الانتصار للنفس وما تقرر فيها , وإنما إحقاق الحق والعدل الذي قامت به السموات والأرض , كل ذلك مقرونا بتحري الحكمة والجدال بالتي هي أحسن , كما أمرنا المولى تبارك وتعالى ؛ تأسيا بهدي المصطفى في دعوته , حيث قال آمرا نبيه صلى الله عليه وسلم في محكم التنزيل : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن}.