Abstract
لقد حظي الشعر الجاهلي بمكانة عالية مرموقة في الأدب العربي ، ولا أدل من ذلك من محاكاة الشعراء لَه في لغته وأخيلته في العصور التي أتت بعده . ولعل الذي ساعد في بلوغه هذه المكانة تميز جمال لغته، وبلاغته العالية، وصدقه في تصوير العواطف ، وتمثيله للطبيعة ، وبعده عن التكلف . ولقد قامت دراسات مختلفة عن الشعر الجاهلي تحدد موضوعاته ، وتكشف عن خصائصه الفنية . غير أن الشعراء في العصر الجاهلي بينهم تباين من حيث السمات والمميزات الفنية ، وقد بلغوا حداً من الكثرة يجعل من الصعوبة الحكم عليهم مجتمعين . ومن هنا فقد أصبحت دراسة شاعر جاهلي بصورة منفردة ضرورة ملحة للتعرف على سمات الشاعر الخاصة . وقد وقع اختياري على شعر عمرو بن كلثوم ليكون موضوع هذه الدراسة ، نظراً لحبي للمعلقات التي تلمست مواطن الجمال فيها إبان دراستي الجامعية ، مما جعل إعجابي يزداد بها تعمقاً وفهماً . وإذا كان إعجابي بشعر المعلقات سبب دفعني إلى الإقدام في هذه الدراسة فإن هناك سبباً آخر وهو ما يمثله هذا الشاعر من أهمية ليست في مجال الشعر وحده، بل بوصفه شخصية بارزة لها ثقلها السياسي في ذلك العصر . ومما شجعني أيضاً على المضي في هذه الدراسة أن شعر عمرو بن كلثوم جاء صدى لحياته ، وما تعرض لَه فيها من ظروف ومواقف ، فجاء يحمل هذا الشعر مميزات خاصة تستحق النظر والتأمل . ودراسة النصوص دراسة بلاغية نقدية لهذا الشاعر حافز دفعني إلى هذه الدراسة . ذلك أن هذا النوع من الدراسة يكشف عن مناحي الجمال ويضع مقايسا عامة نقدر بها ما في النصوص من فائدة أو قوة أو جمال . ولم يحظ شعر عمرو بن كلثوم - على حد علمي - بدراسة مستقلة منفردة بالبحث البلاغي والنقدي ، فكل ما كتب عن شعره وحياته لا يتجاوز الترجمات اليسيرة ، وبعض المقالات الموجزة السريعة التي تخص المعلقة فقط . أو دراسات تناولت المعلقات عامة دون إفراد معلقة عمرو بن كلثوم على وجه الخصوص ومن ذلك : 1-التصوير البياني في شعر المعلقات ، رسالة دكتوراه ، عبد الحليم محمد شادي ، مخطوط بكلية اللغة العربية بالقاهرة . 2-التصوير البياني في وصف الناقة عند أصحاب المعلقات ، رسالة دكتوراه ، إبراهيم محمد علي ، مخطوط بكلية اللغة العربية بالزقازيق . وهاتان الدراستان لم تفردا معلقة عمرو بن كلثوم بالبحث البلاغي والنقدي ، بل تناولتا المعلقات العشر بصورة عامة . ومن الدراسات الأدبية التي تختص بالشاعر نفسه رسالة ماجستير نال بها مؤلفها درجة الماجستير في الأدب بعنوان ( شعراء إمارة الحيرة في العصر الجاهلي )( ) . وتحدث فيها المؤلف عن عمرو بن كلثوم من خلال نسبه وأسرته ثم أخذ يحلل المعلقة تحليلاً أدبياً دون أن يدرس بقية شعره . ومن الدراسات التي أفردت عمرو بن كلثوم دراسة أدبية بعنوان ( عمرو بن كلثوم شاعر الفخر والحماسة )( ) أعدها الدكتور علي نجيب عطوي . ويتضح في هذه الدراسة أن مؤلفها لم يرجع إلى ديوان الشاعر المنشور . فلم تشمل الدراسة جميع شعر الشاعر . فضلاً عن أنها لم تتعرض لدراسة شعره بلاغياً أو نقدياً . ومع فضل تلك الدراسات ، وما لها من تقدير الباحث واحترامه ، إلا أنها لا تغني عن إقامة دراسة بلاغية نقدية حول شعر عمرو بن كلثوم تتناوله بالتحليل والدراسة من خلال فنون البلاغة : المعاني والبيان والبديع ، ومن خلال عناصر العمل الأدبي التي تتمثل في العاطفة والموسيقا والمعاني والأسلوب والألفاظ ، وهو الأمر الذي آمل أن ينهض به هذا البحث . وأبرز المصادر التي اعتمدتها في بحثي ديوان الشاعر ، وشروح معلقته . وقد حاولت التعامل مع النص الشعري من خلال استنطاق الشروح التراثية للمعلقة . وفيما يختص بالمنهج الذي سرت عليه ، فقد جعلت كل قضية من القضايا البلاغية أو النقدية على قسمين : نظري ، وفيه أسعى إلى تحديد المصطلح ، ملخصاً أبرز المفاهيم البلاغية أو النقدية المرتبطة بها . وتطبيقي : وفيه أتناول شعر عمرو بن كلثوم من خلال تلك القضية معتمداً على المنهج الفني في الكشف عن مقومات النص الداخلية الذي يجسم الحالة الوجدانية للشاعر . ومن منهجي في التراجم أني ترجمت للشعراء الذين ورد ذكرهم في هذا البحث ، ذلك لأن هذا البحث في الشعر . وقد جعلت البحث في تمهيد ، وستة فصول ، وخاتمة . فتناولت في التمهيد ترجمة موجزة لعمرو بن كلثوم ، ثم دراسة وصفية لديوانه . وبما أن نص المعلقة قد طبع مستقلاً مع ما نشر من نصوص المعلقات الأخرى ، فقد رأيت أن أقوم بتخريج لأبياتها وتوثيق لرواياتها . ونظراً لورود أبيات المعلقة في ثنايا الدراسة فقد اعتمدت ذلك التخريج والتوثيق . ودرست في الفصل الأول الألفاظ والتراكيب في شعر عمرو بن كلثوم ، فتناولت ألفاظه بين السهولة والصعوبة ومدى ملاءمة الألفاظ لمعانيه ، ثم درست تراكيبه من خلال مباحث علم المعاني وهي الخبر والإنشاء والتقديم والتأخير ، والذكر والحذف ، والقصر ، والفصل والوصل ، والإيجاز والإطناب . أما الفصل الثاني فقد تناولت فيه الصورة البيانية في شعر عمرو بن كلثوم من خلال ثلاثة مباحث هي : التشبيه والمجاز والكناية . وقد اختص الفصل الثالث بدراسة المحسنات البديعية في شعر عمرو بن كلثوم من خلال مبحثين هما : المحسنات المعنوية والمحسنات اللفظية . وعُني الفصل الرابع بدراسة العاطفة في شعره ، وبخاصة جانب القوة والضّعف، والصدق والكذب ، وسموها ، ثم دراسة تنوع الجانب العاطفي في شعره .