تفسير البسيط لأبي الحسن علي بن أحمد الواحدي المتوفي 468 : من آية 75 إلى آخر سورة البقرة دراسة وتحقيق /
Author
الخضيري، محمد بن عبدالعزيز،
Abstract
فإن أجل ما صرفت فيه الأعمار ، وقضيت فيه الأيام، الاشتغال بكتاب الله -جل وعلا -، قراءة وتعلماً وتعليماً وتفسيراً ، فهو الحجة البالغة والصراط المستقيم ، وهو "" كتابه الدال عليه، لمن أراد معرفته ، وطريقه الموصلة لسالكها إليه ، ونوره المبين الذي أشرقت لـه الظلمات ، ورحمته المهداة التي بها صلاح جميع المخلوقات ، والسبب الواصل بينه وبين عباده إذا انقطعت الأسباب، وبابه الأعظم الذي منه الدخول، فلا يغلق إذا أغلقت الأبواب ، وهو الصراط المستقيم الذي لا تميل به الآراء، والذكر الحكيم الذي لا تزيغ به الأهواء ، والنُـزُل الكريم الذي لا يشبع منه العلماء ، ولا تفنى عجائبه ، ولا تُقْلِع سحائبه، ولا تنقضي آياته ، ولا تختلف دلالاته ،كلما ازدادت البصائِر فيه تأملاً وتفكيراً زاد هداية وتبصيراً ، وكلما بجّسْتَ ( ) مَعينه فجّر لها ينابيع الحكمة تفجيراً ، فهو نور البصائْر من عماها ، وشفاء الصدور من أدوائها وجواها ( ) ، وحياة القلوب ، ولذة النفوس "" ( ). ولذلك توافرت همم الأئمة، من علماء الأمة، على تفسير القرآن وبيان معانيه ، وتوضيح دلالاته، وإيضاح مقاصده ، وبسط علومه ، وأودعوا ذلك في مؤلفات جليلة لتبقى للأمة مرجعاً ، وللناس مآلاً ومصدراً ، تحفظ فيها أقوال السابقين ، وفهوم الأولين في تفسير الكتاب المبين ، لئلا تزيغ بالناس الأهواء ، وتضطرب بهم الأفكار ، وتزلهم الفتن ، وتضلهم الاختلافات . وممن وفقهم الله لذلك العلامة المفسّر اللغوي: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي ، حيث ألف في التفسير فأكثر ولوّن ، وبسط وأوجز، وجمع وحقق، وزين ونمّق ، واشتهر بين الناس بمصنفاته في التفسير ، وسارت بها الركبان ، وتداولها شُداة العلم ، وأفادوا منها ، وأثنوا عليها غاية الثناء ، وذلك أنه كما قال عن نفسه : وأظنني لم آلُ جهداً في إحكام أصول هذا العلم ، على حسب ما يليق بزماننا هذا ، ويسعه سنو عمري، على قلة أعدادها، فقد وفق الله تعالى، وله الحمد، حتى اقتبست كل ما احتجت إليه في هذا الباب من مظانه ، وأخذته من معادنه "" ( )، فجاءت مؤلفاته مليئة بالفوائد ، جامعة للعلوم والمعاني ، حسنة في الألفاظ والمباني، ومع قناعة أبي الحسن الواحدي بأن الأول لم يترك للآخر شيئاً، إلا أنه اعتذر لنفسه بقوله : "" إن المتأخر بلطيف حيلته ، ودقيق فطنته ، يلتقط الدرر، ويجمع الغرر، فينظمها كالعقد على صدر الكعاب ( )، يروق ( ) المتأملين، ويؤنق ( ) الناظرين ، فيستحق به في الأولى حمد الحامدين، وفي العقبى ثواب رب العالمين "" ( ) . وكان -رحمه الله – تحدثه نفسه أن يعلق في تفسير القرآن فِقَراً ( ) في الكشف عن غوامض معانيه ، ونكتاً في الإشارة إلى علل القراءات فيه ، في ورقات يصغر حجمها، ويكثر غُنْمها، والأيام تَمْطله بصروفها، على اختلاف صنوفها ، إلى أن شدد عليه خِناقَ التقاضي قومٌ لهم في العلم سابقة، وفي التحقيق همم صادقة، فسمحت قَـرُوْنَتُه ( ) بعد الإباء ، وذلت صعوبته بعد النفرة والالتواء ( ). قال : "" وقد استخرت الله العظيم في جمع كتاب أرجو أن يمدني الله فيه بتوفيقه وحسن تيسيره ، حتى أبرزه كالقمر أنجاب سحابه ، والزلال صفا متنه ( ) واطرد حُبابه ( ) ، يؤدي إلى المتأمل نُضرة الكلم العُذاب، ورونق الذهب المذاب، سالكٌ نهج الإعجاز في الإيجاز، مشتمل على ما نقمت على غيري إهماله ، ونعيت عليه إغفاله، خالٍ عما يكسب المستفيد مَلالة ، ويتصور عند المتصفح إطالة، لا يدع لمن تأمله حازة ( ) في صدره، حتى يخرجه من ظلمة الريب والتخمين إلى نور العلم وثَلَج اليقين"" ( ) . ولما كان الكتاب بهذه المثابة ، ومؤلفه بهذه المنـزلة، رأى قسم القرآن وعلومه بكلية أصول الدين ضرورة تحقيقه ونشره، ولذا سَمَت همة الشيخ الدكتور: محمد بن صالح الفوزان لتحقيقه، ونشر كنوزه، وابتدأ هذا العمل المبارك فأجاد وأفاد، ثم تبعه على العمل فيه ثلة طيـبة من طلاب الدراسات العليا، بلغوا اثني عشر طالباً، اقتسموا فيه هذا التفسير الجليل كله، وبقيت فيه بقية في أوله بمثابة اللبنة، كانت من نصيبي – بحمد الله – ، بعد موافقة قسم القرآن وعلومه على ذلك.