الفوائد العوالي المنـتقاة المعروفة بالثقفيات لأبي عبد الله الرئيس القاسم بن الفضل الثقفي (ت489هـ) دراسة وتحقيق /
Author
مختار، مصطفى بن محمد محمود بن سيدات،
Abstract
ان كتبُ الفوائد الحديثيَّة( ) جاءت نتيجةَ اتجاه أهل العلم والحديث إلى الانتخاب والتخريج من أصول مَرْوِيَّاتِـهم ومَسْموعاتِهِم، أو من أصول مسموعات شيوخهم أو أقرانـهم أو تلاميذهم ومَرْوِيّاتهم، لِمَا تكون فيه فائدةٌ لمنتخِبه ومخرِّجه، مما يرى أنَّه لا يوجد عند غير ذلك الشيخ الذي خرَّجه عنه، كأن يكونَ الحديثُ لا يوجد عند أحدٍ من هذه الطّريق، أو لم يسبِقْ له أن تحمَّله عن شيوخه، وهذا هو الغرض الأصل في الانتقاء والانتخاب من كتب الفوائد الحديثية. وقد ازدهر التصنيف لهذه الكتب في القرنَيْن الرابع والخامس، وكان من هذه الكتب المصنَّفة، في هذا الباب كتاب الحافظ الرَّئِيس أبي عبد الله القاسم بن الفضل بن أحمد الثَّقَفِيّ -رحمه الله-، المسمَّى: ((الفَوَائِدَ العَوَالِيَ الـمُنْـتَقَاةَ)) المعروفةَ بالثَّقَفِيّات. وهو كتابٌ حديثيٌّ له قيمةٌ عاليةٌ، ومنـزلةٌ رفيعةٌ؛ يدلُّ على ذلك: أولاً: كونه يشتمل على أحاديث عاليةٍ مُسْنَدَةٍ عن النبيِّ ، ومعلومٌ أهمية الإسناد، وأنه من أعظم ما ترتفع به قيمة الكتب العلمية، لكونه مما اختصَّت به هذه الأمة الكريمة دون غيرها من الأمم. ثانياً: وما احتوى عليه من فوائدَ جليلة، منها: أ- أحكامه على الأحاديث التي ساقها فيه، فمن ذلك: 1- حكمه على الأحاديث وتصحيحه لبعضها كقوله في الحديث رقم: (97): ((هذا حديثٌ صحيحٌ على شرطِ مُسلم)). 2- التنبيه على اختلاف رواية الحديث بين الرَّفْع والوقف، وترجيح الوقف برواية الكثرة -أحياناً-؛ ومن الأمثلة على ذلك: - ما ورد في الحديث رقم: (105) في قوله فيه: ((غريب من حديث مِسْعَر؛ لا أعرفه متصلاً مرفوعاً إلا من هذا الوجه، ورواه الناس عن مِسْعَر عن وَبَرَة عن ابن عمر موقوفاً؛ من قولِهِ))، ثم ساق سند روايته مرفوعاً. - وقوله بعد الحديث رقم: (130): ((هذا حديثٌ غريبٌ من حديث الثَّوْرِيِّ، لا أعرفه مرفوعاً إلا من حديث أيوب بن سويد عنه..، ورواه عبدالرزاق والحسين بن حفص عن الثَّوْرِيِّ موقوفاً عَلَى عَلِيٍّ)). 3- التَّنبيه على تفرُّد بعض الرُّواةِ بالحديث مع الدِّلالة على من خَرَّجه كذلك؛ كقوله في الحديث رقم: (110): ((هذا الحديث لا يُعْرَفُ إلا من حديث ابن وَارَه، وحدث به ابن مَنْدَه في المعرفة عن أبي عَمْرو عنه)). ب- وأنه يُعَرِّف -أحياناً- ببعض الرواة كما في الحديث رقم: (117): ((والمغيرة هذا هو ابن مسلم السَّرَّاج، يُكَنَّى أبا سَلَمَة، قال أحمد بن حنبل: هو أخو عبد العزيز بن مسلم)). ج- وأنه يُنبِّه على كون الصحابيِّ لم يُخَرّج له في الصحيح؛ كقـوله في الحديث رقم: (91): ((عبد الله بن سَرْجَس هو من الصحابة الذين لم يُخَرِّج البخاري لهم شيئاً)). د- وأنه يعتني بنقل التعليق على بعض الأحاديث مِمّا له صلة بغريب الحديث -أحياناً-؛ كما قال في الحديث رقم: (91) : ((قيل لعاصم: ما الحَوْرُ بعد الكَوْن؟ قال: كان يُقال: حَارَ بَعْدَ ما كَان)). هـ- وأنه يُؤرِّخ لِبعض مسموعاته مع تعيين البلدان التي سمعها بها؛ مِمّا يُبيّن عنايته برواية الحديث ورحلته في طلبه، وذلك في مواضع كثيرة من كتابه هذا؛ ومن أقدم ذلك قوله في الحديث رقم: (17): ((حَدَّثنا أبو محمد عبدالله بن أحمد بن جُولَة الأَبْهَرِيُّ قراءةً عليه في ذي الحجة من سنة ثلاثٍ وأربعمائة)). أي: أن سِـنَّه حينئذٍ كان ثماني سنين، وحَدَّث بهذا سنة 488هـ، أي بعد أربعٍ وثمانين سنة. و- وأنه يُــنبّه على مواضع العلوّ -ونحوه- أحياناً. إلى غير ذلك من الأمور الدالة على مكانة كتابه وقيمته العلمية العالية؛ لا سيما وأنه تناقَلَتْهُ أيدي أئمةٍ كبار، حيث نجده مُحلًّى بالسماعات لِبعضهم؛ مثل الإمام عبد الغني المقدسي (ت600هـ)، والحافظ شرف الدين الدِّمياطيّ (ت705هـ)، والحافظ أبي الحجاج المِزِّيّ (ت742هـ)، وغيرهم. فلهذا أحبَبْتُ أن أتقدَّم في بحثي للماجستير بتحقيق هذا الكتابِ، لما سبق من بيانِ أهميَّته، إضافةً إلى: 1-احتوائِهِ على أحاديثَ مسندةٍ عاليةٍ أسانيدُها إلى النبيِّ ، وآثارٍ وأشعارٍ مَرْوِيَّةٍ عن الصحابة والتابعين وبعضِ أئمَّةِ السَّلَفِ في جَوَانِبَ مُتَعَدِّدَةٍ، كما تقدمت الإشارة إلى أهمِّها. 2-المكانةِ السَّامِيَةِ والمَنْـزِلَةِ الرَّفيعةِ لصاحب الكتاب -الذي قال فيه الحافظُ أبو زكريَّا يحيى بن عبد الوهاب بن مَنْدَه (ت511هـ): ((لَمْ يُحَدِّثْ في وقتِ أبي عبدِالله الرَّئِيس أَوْثَقُ منه في الحديثِ وأكثر سماعاً وأعلى إسناداً..))-، وكذا الراوي عنه، وهو الحافظ أبو طاهر أحمد بن محمد السِّلَفِيّ (ت576هـ). 3-رغبتي في تقديم خدمةٍ متواضعةٍ لِسُنَّةِ النبي ، بدراسة ما أُسند إليه في هذا الكتاب.