Abstract
خلاصة البحث : أولاً: تعريف التعزية : وهي تصبير المصاب ، وحثه على الثبات ، بتذكيره ثواب الصابرين ، وتحذيره وزر أهل الجزع الساخطين ، والدعاء له بالجبر ، ولميته إن كان مسلماً بالمغفرة والرحمة . ثانياً : حكم التعزية : التعزية مستحبة باتفاق العلماء ، ولقد وردت الأحاديث في مشروعيتها ، وفي فضلها، ومن ذلك قوله من حديث أنس بن مالك : (( من عزى أخاه المؤمن في مصيبة ، كساه الله حلة خضراء يحبرها يوم القيامة ، قيل : يا رسول الله ما يحبر ؟ قال : يغبط )) . ثالثاً : الحكمة من مشروعية التعزية : شرعت التعزية لتهوين المصيبة على المعزى ، وحضه على الصبر ، والدعاء لـه ، ولميته إن كان مسلماً . رابعاً : المصيبة التي تشرع لها التعزية : تشرع التعزية بمصيبة الموت ، فيعزى المسلم بالميت المسلم ، سواء أكان ذكراً أم أنثى ، صغيراً أم كبيراً ، صالحاً أم فاسقاً ، قريباً أم بعيداً كجار أو صديق أو حتى عالم أو صالح ينتفع المسلمون به ؛ بل يشرع التعزية للمسلم أيضاً ولو كان ميته كافراً . كما تشرع التعزية بمصيبة الموت تشرع التعزية بغيرها من المصائب . خامساً : المصاب الذي تشرع تعزيته : تشرع تعزية الرجل المرأة المصابة عجوزاً كانت أم شابة على الصحيح ، كما تشرع تعزية المرأة المصابة الرجل ولو كانت شابة إذا ضبطت التعزية بالضوابط الشرعية من عدم الخلوة والمصافحة ووجود الحجاب الشرعي ، وحصل بذلك الأمن من الفتنه . كما تشرع تعزية من يفهم الخطاب ويعقله كالصغير المميز ، ولا تشرع لمن لا يعقله كصغير لا يميز أو مجنون . أما الفاسق والكافر فالحكم بمشروعية تعزيتهما يدور مع المصلحة ، فإذا رجي من تعزية الفاسق رجوعه للحق ، أو كف شره شرعت ، وإن رجى من الهجر حصول الارتداع ، هجر ولم يعزى ، وهذا فيما إذا كان الميت على طريقة أهله في الفسق فإن لم يكن على طريقتهم ؛ بل كان من الصالحين فتشرع التعزية به للدعاء لـه والترحم عليه ، أما الكافر فكذا تشرع التعزية في ميته الكافر إن كان في تعزيته ثمة مصلحة وإلا فلا ، فإن كان الميت من أهل الإسلام فتشرع لحق الميت المسلم . ولا تقتصر مشروعية التعزية على الأقارب – وإن كانت آكد في حقهم ، فتشرع تعزية أهل المصيبة من غير الأقارب كالجيران والأصدقاء والعلماء والصالحين ، كما تشرع التعزية بهم . سادساً : صيغة التعزية ابتداءاً رداً : للتعزية صيغ مشروعة وهي كل ما يحصل به السلو والمواساة والتصبير للمصاب من الأقوال ، ولا حجر في ذلك ؛ بل الأمر فيه واسع ، وهو على قدر منطق الرجل وما يحضره من طيب الكلام . كما أن هناك بعض الصيغ الممنوعة مما فيه تطاول وإساءة أدب مع الخالق كالعبارات التي تعارض بعض النواميس والسنن التي أجرى الله عليها الكون والناس كتقديره مدة حياة المرء وتحديده زمن الأجل لا يتأخر ساعة ولا يتقدم ، ومن تلك العبارات قول القائل: ما نقص من عمره زاد في عمرك ، أو البقية في حياتك ، وكبعض العبارات التي تضاد ما أراده الله من مكابدة المرء للبلاء والمصائب مدة حياته ، كقول القائل: لا مشى لكم أحد بسوء، وغيرها . سابعاً : وقت التعزية ومكانها : تشرع التعزية قبل الدفن وبعده ، وهي بعد الدفن أولى لاشتغالهم قبله بميتهم تجهيزاً وصلاة ودفناً ، إلا أن يرى من أهل الميت الجزع ، فيشرع تقديمها حينئذ لتسكينهم وحثهم على الصبر. وليس للتعزية مدة معينة بل يمتد وقتها حتى ينسى المصاب مصيبته على الصحيح ، وإن كان جماهير أهل العلم قيدوها بثلاثة أيام . ثامناً : حكم ما يحصل مدة التعزية : أ- النعي للتعزية فإما أن يكون كهيئة نعي الجاهلية نداء بموت الميت مع دوران وضجيج وتفخيم وتعظيم للميت بذكر محاسنه وتعداد محامده على وجه التسخط والتجزع ، فهو محرم. وإما أن يكون للأقارب والأصدقاء ليؤدى حق المصاب في التعزية وحق الميت في الصلاة عليه ودفنه والترحم عليه وهو جائز إجماعاً . وإما أن يكون نداء في الأزقة والأسواق لا يصحبه صياح ولا عويل ولا تفجع ولا توجد؛ بل نداء لمجرد الإعلام بموت الميت ، فهو جائز – على الصحيح - شريطة أن لا يكون في المساجد ؛ لأن المساجد لم تبن لمثل ذلك ، وإن لا يتسبب في تأخير الميت ، وأن يكون نداءً مجرداً ، وأن يقصد به المصلحة للميت وللمخبر وللمصاب . ب- تعطيل المعاش وهو امتناع المصاب عما اعتاده من عمل قبل المصيبة لأجلها ، والتعطيل ممنوع؛ لأنه لم يكن من هديه صلوات الله وسلامه عليه ، ولا هدي أصحابه من بعده تعطيل أسباب طلب الرزق عند المصائب لأجلها ، ويعظم الأمر إن كان ذلك عاماً ، كما جرت به عادة كثير من الدول في هذا العصر عندما يموت زعيم أو ملك، فيؤمر بتعطيل الدوائر الحكومية والمدارس والمؤسسات، وإغلاق الحوانيت إحداداً عليه .