Abstract
تمثل طبيعة العلاقة القائمة بين النظام السياسي في الدولة ومختلف القوى التي يمثلها أفراد المجتمع أحد أهم المعايير في تقويم مستوى الاستقرار السياسي, وقدرة النظام السياسي ذاته على تحقيق أهداف المجتمع. ومع تطور النظم السياسية الحديثة, لم تعد السلطة السياسية وحدها هي القوة المؤثرة في استقرار النظام السياسي وتحقيق أهدافه، بل ظهر الرأي العام بوصفه قوة لها اعتبارها في اتخاذ القرارات, وتحديد السياسات العامة في المجتمع (الحسن،6:1986). وأصبح لزاماً على السلطة السياسية في الدولة الحديثة مراعاة أفراد مجتمعها في رسم سياساتها, بعد أن تكونت لديها القناعة الكاملة به, وبأنها تستمد قوتها وثباتها ووجودها من هذا المجتمع. ويقوم التنظيم السياسي في أغلب المجتمعات (العبيدي,8:1989) على الأسس التالية: 1-وجود الهيكل التنظيمي الذي يمثل السلطة السياسية العليا في كل تنظيم سياسي في المجتمع. 2-وجود الحكومة التي تتولى ممارسة السلطة السيـاسية في المجتمع, وفق الكيفية التي يحددها دستور الدولة وقوانينها ولوائحها. 3-وجود العلاقة التي تحدد سعة الاتصال بين الفرد والدولة من جهة, والسلطة السياسية من جهة أخرى, على أساس المصلحة المتبـادلـة بين كلا الطرفين. 4-وجود الديموقراطية التي تقوم على أساس احترام الحقوق والواجبات والحريات العامة, وحرية الاتصال واستقاء المعلومات. 5-وجود نظام اتصالي إعلامي يضمن عملية نقل الوعي الهادفة والمقصودة, التي تتعلق بالحياة الشاملة لأفراد المجتمع، وتعكس البنى السياسية والاجتماعية للمجتمع الذي توجد فيه، وعلاقة المجتمع بالدولة والحكومة, وسياسات تنفيذ الواجبات واستحقاق الحقوق. 6-وجود قاعدة للتطور التقني, وبخاصة انتشار المعلومات وطنياً ودولياً. ويتضح لنا مما تقدم أن وسائل الإعلام مرتبطة بالقيم والنظم الاجتماعية والسياسية في هذا البلد أو ذاك؛ فالإعلام بأدواته يعد من أشكال العمل السياسي، وكما أن الممارسة السياسية اليومية تمس مجالات الحياة البشرية, وتهم الرأي العام الداخلي والخارجي, لذا فإن الإعلام بوسائله ينبغي فهمه على أساس سياسي؛ لأنه يمارس بشكل يومي, ويمس الحياة العامة للمجتمع. ومن هنا برزت أهمية وسائل الإعلام وحاجة الدول لها، ابتداءً من المفهوم التقليدي لدور وسائل الإعلام, الذي كان يقتصر على خدمة السلطة بجميع نشاطاتها, ودعم توجهاتها وتحسين صورتها أمام أفراد المجتمع, إلى أن وصل الأمر إلى العمل بالمفهوم الحديث لحرية وسائل الإعلام, الذي قـام بتعزيز هذا الدور؛ فأصبحت مرآة كثير من الأمم, ولسانها الناطق بأفكارها وقضاياها والمعبر عن آمالها وآلامهـا، فهي تخدم المجتمع من خلال نشر الأخبار, وتوضيح طبيعة السياسات الخارجية وأهدافها للشعوب, وتقديم صورة شاملة لما يحدث في أرجاء العالم لحظة بلحظة، وهو الأمر الذي من شأنه إلغاء الفواصل الزمنية والجغرافية بين المواطن وبقية أجزاء وطنه، وبينه وبين العالم الخارجي من حوله. وإلى جانب أهمية الإعلام كوسيلة فاعلة في إقناع الجمهور وحملهم على اعتناق سياسات الدولة, وكسب تأييد الرأي العام تجاهها، فقد ربط تطور الوعي القومي والسياسي بأفراد المجتمع الذين يكونون الرأي العام. وهذا الرأي لا يحقق أهدافه إلا إذا كان حراً وكانت وسائل الإعلام حرةً أيضاً. وعندما يتحقق ذلك يمكن للسلطة أن تتعرف على اتجاهات المجتمع ووجهات نظره حول مختلف القضايا, والإشكاليات التي تواجهه من خلال وسائل الإعلام الحرة, التي تقوم بدور محوري في تنوير جمهورها وتوجيهه, وإقامة جسور التخاطب وتبادل المعلومات بين صناع القرار السياسي والجمهور؛ من أجل إيجاد الحلول ورفع مستوى أداء أجهزة السلطة وأفراد المجتمع على جميع الأصعدة. وتعد وسائل الإعلام مصدراً مهماً من مصادر التنشئة السياسية (البشر,137:1997), فهي تنمي الثقافة السياسية المتعلقة بالقضايا أو المؤسسات والأنظمة السياسية في المجتمعات أو رجال السياسة, من خلال اهتمامها ومتابعتها وما تقدمه من معلومات وأخبار، كما تعمل على زيادة الوعي والمعرفة السياسية لدى الناشئة والتأثير فيهم وتشجيعهم على المشاركة الفاعلة في العملية السياسية. وحتى تنجح وسائل الإعلام في تحقيق أهدافها, يتطلب منها بذل الجهود, وإجراء الدراسات اللازمة للوصول إلى نتائج سليمة ومعلومات دقيقة, تسـاعد في بناء علاقة تكاملية بين الدولة وأفراد مجتمعها.