Abstract
ملخص رسالة : إنّ من نعم الله الباهرةِ, وحكمه البالغة, أن أكملَ نصابَ هذا الدين, وجعل رسالةَ سيِّدِ المرسلين عامّةً لكافة الثقلين, وأمدّها بأسباب الخلود, وسُبُلِ البقاءِ والصلاحِ إلى يوم الدين. وإنّ من كمال هذا الدين؛ كمالِ وسائلِ تبليغه, وأساليبَ بلاغه, وشمولها وتنوّعها في خطابها, ومضمونها, ومنهجها. ولقد حَفِلَ القرآنُ الكريم ببيانِ أساليبَ بلاغِ هذا الدِّين, في غير ما آيةٍ محكمة, ومن ذلك قولُه تعالى: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾( ). ثم جاءت السيرة النبويّة تُرجماناً لهذا القرآن, وممارسةً عمليّةً لتعاليمه وأحكامه, فكانت الدعوةُ المحمديةُ نبراساً للدعاة إلى يوم الدين, من معينها الصافي ينهلون, ومن موردها الزلال يستقون, منهج دعوتهم, وأساليبَ ووسائلَ تبليغِ دينهِم. ثم حملَ لواءَ تبليغِ هذا الدين سَلَفُ هذه الأُمَّة وعدُولها من الصحابة والتابعين, فكانوا أئمةَ الهدى, وشُمُسَ الدجى, وحُجَجَ الدِّين, ونقلةَ الوحيين, جمعوا بين الإيمانِ وحسنِ المقال, وبين عملِ الصالحات وموافقةِ الأقوال للفعال, وكانوا قبل ذلك وبعدَهُ لسنةِ نبيهم ز مقتفين, ولآثارهِ متبعين, على بصيرةٍ وهدى من رب العالمين. • ولما كانت أساليبُ بلاغِ هذا الدين شاملةً في خطابها, متنوعةً في منهجها, فقد راعت مراتبَ النفوس, وأنواعَ القلوب, فَخَصَّت كلّ نوع بأسلوب يُوَائِمُه, ومنهج يُوَافقه. فجَعلت الحكمةَ خطاباً لذوي الألبابِ والبصائرِ, واختَصَّت الموعظةَ بذوي الغفلات والجرائر, وجعلت الجدال لأهلِ العنادِ من العشائر. ولما كانت نفوسُ أغلبِ الناسِ كثيرةَ الانجراف وراءَ الملذات, سريعَةَ الانغماس في أوحال الشهوات, كان لسانَ الشرعِ في دعوتها, وأداة الدعاة في إصلاحها, هو النصح, والوعظ,