Abstract
إن أولى ما يتنافسُ فيه المتنافسون, وأحرى ما يتسابق في حَلْبَة سِبَاقه المتسابقون, ما كان بسعادة العبد في معاشه ومعاده كفيلاً, وعلى طريق هذه السعادة دليلاً, وذلك العلمُ النافع والعمل الصالح: اللذان لا سعادةَ للعبد إلا بهما, ولا نجاةَ له إلا بالتعلق بسببهما! فمن رُزِقَهما فقد فاز وغنم! ومن حُرمهما فالخير كلَّه حُرم! وهما مَوْرِدُ انقسام العباد إلى مرحوم ومحروم, وبهما يتميز البرُّ من الفاجر, والتقيُّ من الغوي, والظالم من المظلوم. فكان من أولى ما أُعْمِلت فيه القرائح, وعَلِقت فيه الأفكار اللّواقح, وعُنِيَ العالمُ بجمعهِ وتصنيفه, وجَهَد نفسَه في ترتيبه وتأليفه, ما فيه صلاحُ العواقب, ونجاح المطالب, وسموِِّ المناقب وعلوّ المراتب. ألا وهو: علمُ فروعِ الشريعة من الحلال والحرام, والواجب والمندوب, وأَخصُّها بالأولوية علمُ الأقضية والأحكام المتداولةِ بين القضاة والحكّام, فإن الانتداب للإصلاح بين المتحاكِمين, والانتصارَ للمظلوم من الظالم فيما يجري بين المتخاصمين: من أفضل القربات, وأرفع الطاعات. فعلم الفقه بحوره زاخرة, ورياضه ناضرة, ونجومه زاهرة, وأصوله ثابتة مقررة, وفروعه ثابتة محررة, .... لا يفني بكثرة الإنفاق كنزه, ولا يبلى على طول الزمان عزّه, أهله قِوام الدين وقَوَّامه, وبهم ائتلافه وانتظامه, وهم ورثة الأنبياء, وبهم يستضاء في الدهماء.... فكان اهتمام علماء الإسلام بهذا العلم كبيرا وألفوا فيه مؤلفات نافعة لا تُحصَى, ولكن كثيرا منها ما زال محبوسا في خزائن المخطوطات في أنحاء العالم مما يجعل المسؤولية على الباحثين عظيمة لإخراج هذا التراث الذي بُذل فيه الغالي والنفيس من عالم المخطوط إلى عالم المطبوع محقَّقاً تحقيقاً علميّا.