إن الناظر في الكنوز العلمية لشيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ والممعن النظر فيها يجد أنها قد أسهمت إسهاماً فاعلاً في وضع قواعد فكرية صحيحة تمد الفكر الإسلامي بالمنهج العلمي السديد الذي ينير طريق الباحثين، يقول الدكتور: عبد الكريم عثمان ـ رحمه الله ـ: «إن بعض هؤلاء العظماء يؤثرون في مجتمعاتهم الخاصة، وبعضهم يتجاوز تأثيرهم عصرهم كله، لكن قلة منهم يتجاوز أثرها العصور والمجتمعات، فيلوحون من وراء كل دعوة إصلاح، ويظهرون وراء كل حركة تجديد، ومن هؤلاء شيخ الإسلام.. ابن تيمية»( ). ولا ريب أن الحديث عن مآثر أئمة المسلمين، وعلمائهم المجددين الذين ينفون عن دين الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، حديث متشعب، ممتد الأطراف، متعدد الجوانب، وقد حظي شيخ الإسلام ابن تيمية بأبحاث ودراسات في مجالات متعددة. وأما مجال (الجانب الثقافي عند شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وأسباب التأثر الثقافي به في العصر الحديث) فهو بحاجة ماسة إلى دراسة علمية جادة تبرز جوانبه وتجليها، وتوجه أنظار الباحثين والمفكرين المسلمين إلى الاستفادة من هذه المنهجية العلمية السديدة لهذه الشخصية العلمية الفذة في البحث والتأصيل، وفي النقد والتحليل، وفي الدعوة والتجديد، يقول الدكتور: جعفر شيخ إدريس ـ حفظه الله ـ «وحين نقرأ لشيخ الإسلام ابن تيمية نتعلم منه أمرين: نعرف الموقف الصحيح من أعيان المسائل التي ذكرها وأشباهها، كما نتدرب على المنهج الصحيح في تناولنا للقضايا الجديدة التي تواجهنا، ولاسيما موقفنا من الفكر الغربي المعاصر... لم أستفد من كاتب شرقي ولا غربي، كما استفدت من هذا الشيخ في نقدي حتى للفلسفة الغربية المعاصرة، وكان بعض كبار الفلاسفة الغربيين يعجبون حين أذكر لهم نقد شيخ الإسلام ابن تيمية لبعض مسائل تلك الفلسفة؛ لأنهم لم يعرفوا ذلك النقد إلا من فلاسفة غربيين معاصرين فكانوا يظنونه شيئاً جديداً، لم تجد به إلا قرائح أولئك الفلاسفة»( ). 1ـ أهمية الموضوع ودوافع اختياره. مما سبق تبدو أهمية الموضوع والحاجة إلى دراسته، وإن مما دفعني إلى ذلك أيضاً عدة أمور هي: 1)إبراز الجانب الثقافي لمجدد من مجددي الإسلام، وعلم من أعلامه الأفذاذ، وأسباب التأثر الثقافي به في العصر الحديث. 2)الاستفادة من منهج شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ وجهوده في إحياء وتجديد منهج السلف الصالح في البحث والتفكير والنقد. 3)الحاجة إلى كتابة علمية تبرز جهود شيخ الإسلام ابن تيمية في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، والاستضاءة بمناهج السلف الصالح، وحججهم الشرعية والعقلية. 4)جدة الموضوع حيث لم يسبق ـ حسب اطلاعي ـ دراسة علمية له تجمع شتاته، ومن ثم فهو بحاجة إلى دراسة علمية جادة. 5)هذا الموضوع يتيح للباحث الرجوع والاطلاع على قدر كبير من المؤلفات العلمية المهمة في مختلف فنون العلم والمعرفة. بناءً على هذه الأسباب والدوافع، وعلى ما لقيته من تشجيع من مشايخي وأساتذتي الأفاضل، بحثت هذا الموضوع، والله الموفق الهادي إلى سواء السبيل.