القواعد والضوابط الفقهية من خلال كتاب بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد الحفيد
ولهذه الأهمية القصوى للقواعد الفقهيّة، ورغبتِي في التّأصيل العلميِّ، تأصيلاً يُمَكِّنُنِي من النّظر في نصوص الشّرع، وأقوال الصّحابة، وفهمها كما فهمها العلماء من بعدهم إلى يومنا هذا، تأصيلاً يُؤَهِّلُنِي لتَخريج الفروع على الأصول، وإِلْحَاق المسكوت عنها من النّوازل المستجدّة بالمنطوق بها في الأحكام الشّرعية، وامتثالاً لَتوجيه علماء الدِّين المجرِّبين؛ كالإمام شهاب الدِّين أبي العبّاس القرافي؛ حيث يقول: ((إذا خَرَجَتِ الفروعُ الكثيرةُ على قاعدةٍ واحدةٍ؛ فهو أَولَى مِن تَخريج كلّ فرعٍ بِمعنًى يَخصّه؛ لأنّه أَضْبَطُ للفقيه، وأَنْوَلُ للعقل، وأَفْضَلُ في رتبة الفقه، وليكن هذا شأنك في تَخريج الفقه، فهو أَولَى بِمَن عَلَتْ هِمَّتُهُ في القواعد الشّرعية))( ). لهذا كلّه، رغبت في الكتابة في هذا الجانب، وأن تكون رسالتِي لنيل الدّرجة العالَمية العالية (الدّكتوراه) في القواعد الفقهيّة، فأبدأ البحث في الفقه الإسلامي من رأسه وقمّته؛ إذ البحث في قواعد العلم؛ بَحْثٌ في عصارته ومنتهاه. وآثرت أن تكون رسالتِي في إطار دراسةٍ تَجمع بين نظريّةٍ وتطبيقيةٍ، ولَمّا كان البحث في القواعد يزداد أهميّة بِحسب قيمة المصنَّف الفقهيّ الذي تُدْرَسُ من خلاله، وبعد اطّلاعِي الطّويل على كتاب: (بداية المجتهد ونهاية المقتصد، للإمام أبي الوليد ابن رشد الحفيد)، وجدته يستوعب مادّةً وافرةً للقواعد الفقهية، يقف الباحث فيها على عظمة الفقه ولذّته، وأعجبت بقيمته العلمية، وأسلوبه الواضح غير المتكلَّف، ومنهجه القويم، وتَجرّد مؤلِّفه عن التّقليد ونبذه التّعصّب، وحثّه الدّائم على التّفقّه في قواعد الفقه وأصوله، بل ذلك من أسباب تأليفه لهذا الكتاب العظيم –كما سيأتِي إن شاء الله في موضعه-، عزمت فتوكلّت على الله للقيام باستخراج ما في هذا الكتاب من القواعد الفقهية الكلّيّة، والضّوابط الجزئيّة، ثم تصنيف هذه القواعد حَسب موضوعاتها وأحجامِها، ومعرفة أصولها النّقليّة والعقليّة؛ ليكون موضوع هذه الرِّسالة التِي بِعنوان: [القَواعِدُ وَالضَّوَابِطُ الفِقْهِيَّةُ، مِنْ خِلاَلِ كِتَابِ: بِدَايَةِ المُجْتَهِدِ ونِهَايَةِ المُقْتَصِدِ؛ لابْنِ رُشْد الحَفِيدِ، جمعاً ودراسةً].