التعليقات الوفية بشرح الدرة الألفية لجمال الدين الشريشي دراسة وتحقيقا /
فقد رغبت في أن يكون موضوع رسالتي لنيل درجة العالمية العالية (الدكتوراه) تحقيقاً لأحد كتب التراث النحوي، وحرصت أن يكون مؤلفه متقدماً قدر الإمكان، وقد وجدت بغيتي في أحد شروح ألفية ابن معط، ألا وهو (التعليقات الوفية بشرح الدرة الألفية) لأبي بكر الشريشي، إذ ثبت لديّ أن الجزء الثاني منه لم يحقق، فعقدت العزم على تحقيقه ودراسته من أوله إلى نهاية القول في الجمع الذي يكسر، يحدوني إلى ذلك جملة من الدوافع، أبرزها: 1 ـ أن التعليقات الوفية شرح لمنظومة جليلة، هي أول ألفية في النحو ـ فيما أعلم ـ ألا وهي الدرة الألفية في علم العربية، لابن معطٍ. 2 ـ أن هذا الشرح من أهم شروح ألفية ابن معط، إذ يتميز بالشمول والسهولة والوضوح، وقد تتبعت أبيات الألفية التي يشملها الجزء الثاني من شرح الشريشي فوجدتها تامة فيه كما هي في متن الألفية المطبوع. كما يتميز بكونه مرتباً، حافلاً بالأقوال والمذاهب والشواهد والحجج العقلية والنقلية والعلل واللغات والأعاريب والمناقشات، ولهذا أثنى العلماء عليه ووصفوه بالجليل والمليحِ. 3 ـ قلة شروح ألفية ابن معط المحققة، على الرغم من سبقها لألفية ابن مالك، وتميزها بسمات يأتي الحديث عنها في الدراسة إن شاء الله. 4 ـ قلة ما كتب عن أبي بكر الشريشي، وانغمار شخصيته، على الرغم من تقدمه، وجلالة علمه. وقد سبقني إلى تحقيق الجزء الأول من الكتاب الدكتور محمد محمد محمد سعيد في بحثه الذي نال به درجة الدكتوراه من جامعة الأزهر بمصر سنة 1396 هـ، وعنوانه (جمال الدين أبو بكر الشريشي ومنهجه في النحو، مع تحقيق الجزء الأول من كتابه التعليقات الوفية في شرح الدرة الألفية)، وقد جاء بحثه في قسمين: أحدهما لتحقيق النص، والآخر للدراسة، وقد جعل تلك الدراسة فصولاً، تضمنت ترجمة لابن معط، وللشريشي، وحديثاً عن موقف الشريشي من السماع والقياس والتعليل، وعن شخصيته العلمية، واتجاهه، كما عقد الباحث موازنة بين هذا الشرح وشرح ابن الخباز، وتحدث عن مصادر الشريشي. وكنت قد حصلت على صورة من قسم التحقيق منذ سجلت رسالتي، ووثقت منه إحالات الشارح في هذا الجزء عليه، أما الدراسة فتعسر الوصول إليها، وبعد فراغي من البحث وصلتني صورة منها بشق الأنفس، وقد ألفيت فيها نقاط التقاء عديدة مع هذا البحث، على أن هذا البحث قد اشتمل على إضافات غير قليلة، سواء في التوثيق، أو الاستيفاء والتفصيل. وهو بسبق حائز تفضيلا مستوجب ثنائي الجميلا والله يقضي بهبات وافره لي ولـه في درجات الآخره ثم إن هناك إشارات في بحث محقِّق السفر الأول من شرح الرعيني لألفية ابن معط، وهو الدكتور حسن محمد عبد الرحمن أحمد، الذي تحدث عن تأثر الرعيني بشرح الشريشي، وعقد موازنة بين الشرحين في جوانب الارتباط بنص الألفية، والأسلوب، والشواهد، والبسط والتوسع، واستقصاء المذاهب والحجج، وغير ذلك. وقد اقتضت طبيعة هذا البحث أن أجعله مكوّناً من تمهيد وقسمين