انتهاء القرار الإداري بغير الطريق القضائي /
النتائج التي تم التوصل إليها من خلال هذا البحث، فيمكن القول أن انتهاء القرار الإداري لا يخلو من ثلاث حالات: الأولى انتهاءه عن طريق دعوى الإلغاء ، وهذا انتهاء قضائي لاعلاقة لنا به. الثانية الانتهاء الط وذا قد اتفق الشراح –حسب اطلاعي - على إقصاءه من موضوع انتهاء القرار الإداري بغير الطريق القضائي. الثالث وهو المراد الانتهاء غير القضائي للقرار الإداري وهذا يكون بطريقين أساسيين هما: الانتهاء بغير إرادة الإدارة، والانتهاء بإرادتها. أما الأول وهو الانتهاء بغير إرادة الإدارة فيقصد به: وجود أسباب معينة لا علاقة للإدارة بها, تؤدي في النهاية إلى تدخل الإدارة وقيامها إما بإلغاء القرار الإداري, أو تعديله. وقد حصر الشراح هذه الأسباب في أمور أربعة: تغير الظروف الواقعية كنشوء حرب مثلاً، وتغير الظروف النظامية كزوال النظام الذي يستند عليه القرار، وتنازل صاحب المصلحة كتنازل الشخص عن ترخيص صادر له، وأخيراً الترك والإهمال للقرار كتباطؤ الفرد الذي صدر له قرار تعيين عن استلام مهام وظيفته والمباشرة فيها. فمتى ما وجد سبب من هذه الأسباب فإن القرار الإداري لا ينتهي بمجرده ، بل يظل ساريا ومنـتجا لآثاره إلى أن تتدخل الإدارة وتقوم بإلغائه أو تعديله. أما الانتهاء الذي يكون من جانب الإدارة فيقصد به: قيام الإدارة نفسها بمراجعة قراراتها, وتعديل ما وقعت فيه من أخطاء, أو تطوير أعمالها السابقة, وهذا كله يؤدي بالضرورة إلى تدخلها وقيامها بإلغاء قراراتها السابقة وإحلال غيرها محلها. وقيام الإدارة بإنهاء قراراتها له أشكال معينة حددها النظام هي: السحب، و الإلغاء، وإصدار القرار المضاد. أما السحب فيعني: تجريد القرار الإداري من قوته القانونية ليس فقط بالنسبة للمستقبل بل وبالنسبة للماضي أيضا. أي أن القرار المسحوب يعتبر كأنه لم يكن من تاريخ إصداره. وللسحب شروط لابد من توافرها هي: أن يكون القرار الإداري غير مشروع، وأن يتم السحب خلال المدة المحددة للسحب قانونا، وأن يكون السحب من السلطة المختصة به نظاما. كما أن للسحب أنواع هي: الإبطال الإداري، ونقض القرارات الإدارية، والتعديل الإداري للقرارات الإدارية. أما الآثار التي تنتج عن عملية سحب القرار الإداري فإن السحب ينـتج آثاره بأثر رجعي بمعنى أن القرار المسحوب يعتبر كأن لم يكن من تاريخ صدوره وهو نفس أثر الإلغاء القضائي. أما الشكل الثاني من أشكال إنهاء الإدارة لقراراتها وهو الإلغاء, فانه يعني : إبطال القرار الإداري وتجريده من آثاره القانونية بالنسبة للمستقبل فقط, مع بقاء ما نجم عنه من آثار في الماضي. وهو يرد على القرارات الفردية والنظامية، مع وجود قيد عليه في القرارات الفردية, فالقاعدة فيها عدم جواز المساس بها إذا كانت سليمة ورتبت مراكز نظامية للأفراد. أما إن لم ترتب مراكز نظامية كقرارات التأديب فإنه يجوز إلغاؤها. ولا إشكال في ورود الإلغاء على القرارات التنظيمية. وأخيراً الانتهاء بالقرار المضاد: فهو أحد الأشكال التي تتخذها الإدارة في إنهاء قراراتها. وهذا الانتهاء يعني : إصدار قرار جديد في مواجهة قرار سابق سليم. وهذا الانتهاء لايكون إلا في حدود ضيقة وطبقا للإجراءات والأوضاع المنصوص عليها في النظام ويمثل له بصدور قرار تعيين لموظف ما, ثم صدر من هذا الموظف مخالفات لواجبات وظيفته تخول المسؤول فصله من عمله, فإذا أصدر المسؤول قرار الفصل كان هذا القرار مضاداً لقرار التعيين وملغيا له. وتظهر آثار القرار المضاد في المستقبل فقط فلا يستطيع القرار المضاد المساس بالقرار السابق في الماضي. جميع ما سبق هو في الحديث عن الجانب النظامي للموضوع أما الفقه الإسلامي فجانبه مهم جداً ومهما كان في الموضوع من مصالح للجماعة وللأفراد فإنها إذا لم تكن مصالح متفقة مع الشريعة وأهدافها فهي مصالح مطروحة وملغاة ولا يعتبرها الشارع الحكيم. إلا أنه من خلال نظري في هذا الموضوع فإني لم أجد في زواياه أي مخالفة للشرع أو قواعده بل إن قواعد الشريعة تقبلها وتقرها فهي تحمي مصالح الأفراد من الإهدار والضياع وفيها تنظيم لكيفية وصول أصحاب الحقوق لحقوقهم وتحكمها قواعد عدة. فتغير الظروف الواقعية في الفقه تحكمه القواعد التالية: الفرع يسقط إذا سقط الأصل، وما جاز لعذر بطل بزواله، وغيرها. أما تغير الظروف النظامية فتحكمه قاعدة: لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، والتابع تابع، وغيرها . وتنازل صاحب المصلحة تحكمه قاعدة: لا ضرر ولا ضرار، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وغيرها. أما الانتهاء بالترك والإهمال فمحكوم بقاعدة: اليقين لا يزول بالشك, وهو يدور أيضا مع مسألة التقادم وأثرها على الحقوق. هذا بالنسبة للأسباب التي تخول الإدارة التدخل لإنهاء القرار الإداري. أما بالنسبة لما تقوم به الإدارة ابتداء بنفسها كالسحب مثلاً فإن تصرفاتها مقيدة وليست مطلقة بلا قيد ولا رقيب وإن ادعت إرادتها المصلحة فليست كل مصلحة معتبرة ونجد القاعدة الفقهية المشهورة: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة، بالمرصاد لأي تصرف لا يوافق ما أراده المشرع الحكيم.