فقد اتجهت دراسة الظواهر النحوية والتصريفية اتجاهين متكاملين يردف كل واحد منهما الآخر: الأول: دراسة الظاهرة وفق الأسس التي قدمها النحويون في كتبهم مع الاتصال بالدرس النحوي والتصريفي في صورته الحديثة، وهذا المنهج يتمثل في قتل القديم بحثاً واتخاذ الدرس الحديث آلة من آلات فهم القديم ودراسته. الثاني: تحقيق كتب التراث وإخراجها إلى الوجود ليفيد منها القارئ ولتضيف لبنة جديدة في بنائنا العلمي والفكري المعاصر ليتصل حاضر هذه الأمة بماضيها( ) . وقد عشت التجربة الأولى في دراسة الماجستير، فآثرت أن أتناول في تجربتي الثانية تحقيق إحدى المخطوطات ودراستها، لأكسب شرف خدمة التراث، وإحياء شيء من نفائسنا المخبوءة في بطون المكتبات. فأخذت أجوب أروقة المكتبات بحثاً عن أثرٍ من آثار النحويين، فوقعت عيناي على نسخة من كتاب «خلاصة الإعراب في شرح لب الألباب» ليوسف بن جمال العلوي الملتاني، فأخذت أقلب صفحاته، وأطيل النظر فيه، فإذا هو شرح قمينٌ بأن يخرج إلى النور، ليفيد منه مبتغو العربية، ويعم به النفع، وتتم الفائدة. وكان من أهم الأسباب التي دفعتني إلى اختياره ما يأتي: أولاً: أنَّه يشرح متن «لب الألباب» لتاج الدين الإسفراييني الذي يُعَدُّ خلاصة لما جاء في مفصل الزمخشري، ومقدمة الجزولي، وكافية ابن الحاجب، وهذه الكتب الثلاثة ذات قيمة علمية معروفة بين المشتغلين بعلوم العربية. ثانياً: ما يتمتع به هذا الكتاب من وضوح القصد، وسلامة المنهج، وغزارة المادة، واستقامة الفكرة، وافتراض الإشكالات والتساؤلات والإجابة عنها. ثالثاً: اهتمام الشارح بتعليل الأحكام النحوية، وبيان الأسرار التي انطوت عليها، فأحببت أن أضيف هذا السفر إلى قائمة الكتب التي اهتمت بأمر التعليل في النحو العربي. رابعاً: الكشف عن معالم شخصية الشارح؛ لأنه لم يحقق له أيُّ كتاب قبل هذا، ولم تُدرس شخصيته. خامساً: أنَّ في تحقيق هذا الكتاب مشاركةً في إحياء كتب التراث التي ظلت قابعة في رفوف المكتبات زمناً طويلاً. وبعد أن تبيَّن لي أن هذا الكتاب لم يحقق بعدُ رأيت أن يكون تحقيقه ودراسته موضوع دراستي للدكتوراه، فعرضت الأمر على عدد من أساتذتي فشجعوني ونصحوني بالإقدام، وأخذوا بيديَّ إلى الأمام، ولما كان هذا الشرح طويلاً فقد حدَّد لي القسم المختص تحقيق ودراسة الجزء الأول منه. هذا وقد قسمت البحث قسمين: قسم الدراسة، وقسم التحقيق. وقدمت لعملي في الكتاب بتمهيد تحدثت فيه عن متن «لب الألباب» وعناية العلماء به، وعن حياة الملتاني وجهوده العلمية.