ولقد اخترت موضوع ( شهر رمضان في الشعر السعودي ) لما في هذا الشعر من عمق دلالي والتزام ديني وجمال شعري مغفول عنه في الدرس الأدبي . والشعراء السعوديون في تناولهم لهذا الموضوع ينطلقون من عاطفة دينية تستحث ملكة الإبداع عندهم للتحليق في سماء الإبداع الأدبي ، فجاء ديوان الشعر السعودي الخاص بهذا الموضوع زاخراً بالقصائد والمقطوعات التي وضعت لها قدماً راسخة في هذه الدواوين ، فقلما نجد شاعراً إلا وتغنى بهذا الشهر الكريم ، وبث أشواقه وآماله وأفراحه في ثنايا هذه القصائد حتى نيَّفت بعض القصائد عن رمضان على المئة بيت ، كما عند الشاعر محمد حسن فقي في مطولته الرمضانية . ولقد حرصت منذ أن أجيز موضوع هذه الأطروحة على أن أجمع أكبر قدر ممكن من المادة الشعرية التي تناولت شهر رمضان في الشعر السعودي ، فاتصلت بالمكتبات الخاصة والعامة في هذا البلد المعطاء ، متصفحاً دواوين الشعر السعودي في تلك المكتبات ، كمكتبة الملك عبدالعزيز العامة ، ومكتبة الملك فهد الوطنية ، ومكتبة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ، ومكتبة جامعة الملك سعود ، ومركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومكتبة النادي الأدبي في القصيم، وبعض المكتبات الخاصة لأساتذتنا في جامعة الإمام ، فتجاوز مجموع ما قمت بجمعه من شعر سعودي ثلاثة آلاف ومائة بيت ، لشعراء سعوديين على مدى سبعة عقود من الزمن، منهم المقل والمكثر ، فبينما نجد قصيدة رمضان عند ( العلاف ) لا تتجاوز ثمانية أبيات ، نجد قصيدة رمضان عند ( الفقي ) تُربي على مئة وثلاثين بيتاً . ولعل من أبرز الدوافع والأسباب التي دفعتني لدراسة هذا الموضوع ما يلي : أولاً : أن الكتابة عن شعيرة من شعائر الدين وعن موسم من مواسم العبادة لهو شرف عظيم آمل أن أوفق فيه ، لما فيه من خيري الدنيا والآخرة . ثانياً : نظراً لما تعج به الساحة الأدبية في العالم العربي من أدب مجافٍ للرؤية الإسلامية، فإن دراسة موضوع كهذا فيه إسهام في بث الروح الإسلامية في الأدب العربي . ثالثاً : الكتابة عن الأدب السعودي وكشف مظاهر الإبداع فيه من خلال شعر أولئك الشعراء الذين تغنوا بهذا الشهر الكريم ، فيه إثراء للحركة الأدبية في هذه البلاد المباركة . رابعاً : وجود مادة شعرية ضخمة في هذا الموضوع تُربي على ثلاثة آلاف ومئة بيت، فمن خلال دراسة هذه المادة نخرج بنتائج لا يستغنى عنها في التقييم العام للأدب . خامساً : التعرُّف على تباين نظرات وأحاسيس الشعراء في نظرتهم إلى موضوع موحَّد من حيث القوة والضعف ، والسطحية والعمق . سادساً : تميُّز شهر رمضان المبارك عن غيره من الشهور ، حيث أصبح له طابع خاص عند جميع المسلمين ، لذا خصه الشعراء بشيء من نتاجهم الشعري ، فالكشف عن مظاهر هذا التميز من خلال الشعر من مهام هذا البحث . سابعاً : عدم وجود دراسة أدبية متعمقة تعرضت لهذا الموضوع ، فلم يسبق أن دُرس درساً علمياً مفصلاً على حد علمي ، فدراسة هذا الموضوع تُعدُّ إضافة علمية للمكتبة . فمن خلال بحثي عن الدراسات الأدبية التي تناولت موضوع شهر رمضان في الشعر، لفت نظري ندرة الدراسات والبحوث التي عالجت هذا الموضوع ، فلا تكاد تجد دراسة أدبية متخصصة تتناول بالبحث والتحليل الجوانب الموضوعية والفنية للشعر الرمضاني ، وكل ما هنالك من دراسات لا تعدو أن تكون ، إما دراسات عامة عن الموضوع تتناول الأبعاد التاريخية والتربوية والاجتماعية لشهر رمضان ، وعرض قصائد قيلت في هذا الشهر من غير تحليل لها ، وإما دراسات أدبية خاصة على شكل مقالات في الصحف والمجلات تتناول الأبعاد الموضوعية