الأعذار في القضاء حقيقته وأحكامه/
أهمية الموضوع من حيث ارتباطه بالقضاء بين الناس فهو سبيل تحقيق العدل ، وإقامة الحق ، وبه تحفظ أحكام الشرع المطهر . وعلم القضاء من أجل العلوم قدراً ، وأعزها مكاناً ، وأشرفها ذكراً ؛ لأنه مقام علي ، ومنصب نبوي ، ومن أجله استخلف الخلفاء ، وبه الدماء تعصم وتسفح ، والابضاع تحرم وتنكح، والأموال يثبت ملكها ويسلب ، والمعاملات يعلم ما يجوز منها وما يحرم ، ويكره ويندب( ) . وبـه فصل الخصومات ، وفض النـزاعات ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، وبـه تحفظ حقوق الناس من الضياع ، حتى يأمنوا على أنفسهم ، ودينهم ، وأعراضهم ، وعقولهم ، وأموالهم . والقضاء أمر لازم ، وقاعدة مهمة لقيام الأمم ، وسعادتها ، وحياتها حياة طيبة ، وهو من أهم وظائف الأمة ، لا يستقيم لها أمر ، ولا يهنأ لها عيش إلا بالقضاء بالعدل بين الناس ، فبـه يتحقق للمجتمع الأمن والهدوء والطمأنينة والاستقرار ، وبـه تتحقق الأهداف العليا لصيانة المجتمع . وقد اهتم علماء المذهب المالكي بالإعذار في القضاء ، وفصلوا كثيراً من أحكامه ، حتى عده بعض الباحثين من مفردات المذهب المالكي ( ) . ومع ذلك لا تخلو كتب المذاهب الفقهية الأخرى من إشارات إلى الإعذار ، وبيان لبعض أحكامه ، وقد يطلقون الإعذار ويريدون صورة واحدة من صوره ، أو نوعاً واحداً من أنواعه ، جاء في المغني ( ) : ( وأهل البصرة يقضون على غائب ، يسمونه الإعذار ، وهو إذا ادعى على رجل ألفا ، وأقام البينة فاختفى المدعى عليه ، يرسل إلى بابه ، فينادي الرسول ثلاثاً، فإن جاء ، وإلا قد أعذروا إليه ) . ولعل هذا هو السبب في كثرة الإحالة إلى المذهب المالكي دون غيره من المذاهب الأخرى . بل هناك بعض المسائل التي لم أعثر فيها ـ بعد طول بحث ـ على من تكلم فيها وبين حكمها من غير علماء المذهب المالكي