الفروق في دلالة المنظوم عند الأصوليين : جمعا وتوثيقا ودراسة / إعداد أمل بنت عبد الله القحيز ؛ إشراف عبد المحسن بن محمد الريس.
فقد يسر الله سبحانه إتمام هذا الموضوع ، واجتياز مباحثه مع ما مر علي خلال كتابته من صعوبات ؛ إذ هو موضوع يتسم بالدقة ، وتعدد المسائل مع تعدد المذاهب مما استلزم من الباحثة تتبع واستقراء ما كتبه الأصوليون حول كل مسألة واردة فيه حتى يتم الوصول إلى الفروق ، وهذه الصعوبات لم تكن لتذلَّل لولا فضل الله ، ثم توجيهات فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد الريس، الذي أولى البحث عنايته واهتمامه جزاه الله عني خيراً ، وجعله في موازين أعماله. وحيث قد وصلت إلى نهاية المطاف في هذا البحث يمكن بيان أهم النتائج التي توصلت إليها ، وهي على النحو التالي: 1-علم الفروق الأصولية من العلوم الدقيقة والمهمة ، وقد كانت الكتابة فيها قليلةً جداً إذا ما قورنت بالكتابة في الفروق الفقهية . 2-أن التوصل إلى الفروق الأصولية لا يتم إلا بالدراسة الجيدة للأمرين المراد التفريق بينهما. 3-أن الفروق الأصولية قد تكون بين معاني المصطلحات ، وقد تكون بين القواعد الأصولية. 4-أنه كلما كانت أوجه الشبه والاشتراك بين أمرين أصوليين أكثر ، كلما كان الفرق عسير الإدراك غامضاً ، والعكس صحيح . 5-تعددت مسالك الأصوليين في طرق دلالة الألفاظ على الأحكام ، وقد ظهر الفرق بين منهج الحنفية ومنهج الجمهور؛ فالحنفية يقسمون طرق دلالة الألفاظ على الأحكام إلى أربعة أقسام هي: دلالة عبارة النص، ودلالة إشارة النص ، ودلالة النص ودلالة اقتضاء النص. ولم يتفق الجمهور على منهج معين بشأن تقسيم طــرق دلالات الألفاظ فقسمها ابن الحاجب قسمين منطوق ومفهوم ، وقسمها الغزالي ثلاثة أقسام : دلالة المنظوم، ودلالة الفحوى أو المفهوم ، ودلالة المعقول ، وجعل الآمدي القسمة ثنائية : منظوم وغير منظوم، ودلالة المنظوم هي دلالة اللفظ على المعنى بصيغته ونظمه. وبمقارنة منهج الحنفية مع منهج الجمهور، نجد أن دلالة عبارة النص عند الحنفية تقابل المنطوق ودلالة الإيماء، ويتفقون أيضاً في دلالة الإشارة ، ودلالة الاقتضاء ومفهوم الموافقة ، وهو ما يسميه الحنفية بدلالة النص ، ويختلفون في دلالة مفهوم المخالفة ؛ إذ يعده الحنفية من الاستدلالات الفاسدة ولا يحتجون به . 6-عبارة النص عند الحنفية هي دلالة اللفظ على المعنى المسوق لـه أصالةً أو تبعاً ، ودلالة الإشارة عندهم هي دلالة اللفظ على المعنى الذي لم يسق لـه الكلام، وهاتان الدلالتان تشتركان في كونهما من الدلالات اللفظية والتي تحتمل التخصيص، ويفترقان في كون مدلول العبارة مقصود من صيغة النص وسياق الكلام ، بخلاف الإشارة ، كما تخالف دلالة عبارة النص دلالة الإشارة في تقديمها عليها عند التعارض وغير ذلك . 7-دلالة النص هي دلالة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه لاشتراكهما في معنى ، وتختلف عن دلالة الإشارة في تقديم دلالة الإشارة عليها عند التعارض ، كما أن الإشارة تستلزم معنى آخر، ومعرفته محتاجةٌ إلى تأمل وتفكير ، بينما دلالة النص على المعنى المسكوت عنه والذي دل عليه المنطوق سهل غير محتاج إلى تكليف أو مزيد تأمل.