الخلاف التصريفي وأثره الدلالي في القرآن الكريم دراسة تحليلية /
وكان للتصريف حظ مع تلك العلوم، وبُثَّت مسائله وما فيها من خلاف في ثنايا الكتب، ثم استقلت في التصنيف بعد ذلك، وتتابع المؤلفون فيها، حتى جاء العصر الحديث، فاختصت طائفة من الباحثين بعض الأبواب التصريفية بدراسة خاصة، في فلك القرآن الكريم، كالجموع، والوصف المشتق، والمصادر، وأبنية الأفعال، وغيرها... أما الخلاف فما زالت مسائله تبحث، وحججه تعاد، يعلمه الأول للآخر، إلا أنّ أرفع الخلاف شأنًا، وأولى ما يجدر أن يُعتنى به من مسائله، تلك التي ينبني عليها أثر في الدلالة، فكيف إذا كان ذلك الأثر في كتاب الله تعالى، وما فيه من أحكام؟ ومن هنا وجدت أن بحث الخلاف التصريفي، وأثره الدلالي في القرآن الكريم أمر في غاية الأهمية، وذلك لأمور: أولها: أنه بحث في القرآن الكريم، وبيان لشيء من معانيه. الثاني: أن فيه إظهارًا لفائدة الخلاف وأثره، مما يرفع من شأن تلك المسائل المختلف فيها، ويبين أهمية دراستها وضبط عللها وحججها. الثالث: أنه يربط بين أكثر من علم، فهو قائم على التصريف والتفسير، ومعتمد على أقوال علماء الفريقين، كما أن القراءات قد أخذت نصيبًا وافرًا منه، وأيضًا فإنه يتناول مسائل جزئية في العقائد، والفقه وأصوله، فهو موضوع تتجاذبه علوم متعددة، وهذا مما يزيد أهميته، ويوسِّع دائرة المستفيدين منه. ولتلك الأهمية كان اختياري للموضوع، خصوصًا أني لم أجد من تناول هذا الموضوع بدراسة خاصة، تنصب على الخلاف، وتحاول بيان أثره في المعنى. وقد وضعت نَصب عيني أن أظهر أهمية الخلاف التصريفي، وأن أحاول اكتشاف أسرار ومعانٍ لطيفة للتعبير القرآني المعجز، أو تأكيد ما أشار إليه المتقدمون من تلك الدلالات وإبرازه. ولقد اعتمدت على مجموعة كبيرة من المصادر، استمددت منها مادة البحث، ويمكنني أن أجعل المصادر طائفتين: الأولى كتب التفسير ومعاني القرآن، والثانية كتب النحو والتصريف، وإن أولى الطائفتين قد استفدت منها التصريف والتفسير؛ لما أودع فيها المفسرون من مسائل في غاية الأهمية في التصريف، مما أهمله التصريفيون في مطولاتهم، أو أشاروا له بإشارات عابرة، تركوا استقصاءها للمفسرين. ولقد انتظمت دراسة الموضوع في تمهيد وأربعة أبواب وخاتمة. فأما التمهيد فقد تناولت فيه نشأة علم التصريف، ونشأة الخلاف فيه، وأسباب ذلك، وما صنِّف فيه من مدارس. كما تناولت الدلالة التصريفية، ومآخذها، وكيف اتكأ عليها المفسرون في بيان دلالات صيغ الكتاب العزيز. وأما الباب الأول فهو في أبنية الأفعال، وما كان فيها من خلاف، وقد قسمته فصلين: الأول في المجرد، والثاني في المزيد. والباب الثاني، في أبنية الأسماء وما كان فيها من خلاف، وقد قسمته ثلاثة فصول: الأول: في المصادر، والثاني في الجموع، والثالث في مسائل متفرقة، في ثلاثة أبواب هي: التأنيث، والتصغير، والنسب. والباب الثالث: في أبنية المشتقات، وقد قسمته خمسة فصول، الأول في اسم الفاعل، والثاني في صيغ المبالغة، والثالث في الصفة المشبهة باسم الفاعل، والرابع في اسم المفعول، والخامس في اسم التفضيل. والباب الرابع: في أبنية المشترك، وقد قسمته فصلين: الأول في الإعلال والإبدال، والثاني في الإدغام. ثم ختمت البحث بخاتمة ضمنتها أهم النتائج والتوصيات. والمادة التي قامت عليها الدراسة، هي مسائل التصريف التي وقع لها أمثلة في القرآن الكريم مما توفر فيه شرطان: الأول: أن يكون في المسألة خلاف، والثاني: أن ينبني على ذلك الخلاف أثر في دلالة اللفظة في القرآن، فخرج بهذا القيد ما يلي: 1-المسائل غير التصريفية. 2-المسائل التصريفية التي ليس لها أمثلة في القرآن الكريم، مثل مد المقصور. 3-المسائل التصريفية التي لها أمثلة في القرآن وليس فيها خلاف، وأمثلة ذلك لا تحصى. 4-المسائل التصريفية التي لها أمثلة في القرآن وفيها خلاف، لكن الخلاف ليس ذا أثر في الدلالة، أو أثره ليس ظاهرًا، كاختلافهم في (المحيض) هل هو مصدر أو اسم زمان؛ فالمؤدى واحد، والخلاف في جواز زيادة الياء في (مفاعل)، وحذفها من (مفاعيل)، ونحو ذلك. وقد جعلت مجال البحث شاملاً للقراءات السبع، دون غيرها. وقد حاولت في اختيار الأمثلة المدروسة أن تكون مما قوي فيه الخلاف، وظهر الأثر الدلالي، وذلك بقدر الاستطاعة، وقد اكتفيت من الأمثلة بما يحقق الهدف العام، من بيان أثر الخلاف، ولم أستقصِ جميع المواضع؛ لأن الدراسة ليست على سبيل الاستقراء والجمع. وأما منهجي في دراسة الأمثلة فيمكن أن ألخصه فيما يلي: 1-ذكرت الآية الكريمة أول المسألة، وذكرت اسم السورة ورقمها بين معكوفين، حتى لا أثقل الحواشي؛ لكثرة الآيات، ثم ذكرت القراءات الواردة فيها، مقتصرًا على السبع دون غيرها، ثم ذكرت الخلاف الوارد، عارضًا أقوال العلماء، ومناقشًا لها، ثم بيَّنت أثر الخلاف، مختصرًا في ذلك ما أمكنني الاختصار، ثم ذكرت القول الراجح إن تبيَّن لي، شافعًا ذلك بعلة الترجيح ومسوغاته، فإن لم يتبين شيء اكتفيت بعرض الأقوال ومناقشتها دون ترجيح. 2-عزوت الأقوال لأصحابها من كتبهم إن أمكن ذلك، أو من غيرها من الكتب مقدمًا الأقرب إلى عصر صاحب القول. 3-خرجت الأحاديث من كتب الحديث، بذكر الكتاب والباب، أو الكتاب ورقم الحديث، مع الجزء والصفحة، تيسيرًا على القارئ، مكتفيًا بالجزء والصفحة في المسانيد والمعاجم. 4-خرجت الأبيات الشعرية، من ديوان الشاعر إن وجد، ومن غيره من المصادر، مع ذكر بحر البيت، وأثبت القائل في المتن.