الخطاب الوصفي في نثر الجاحظ
وبناءً على ذلك؛ فإني أطمح إلى دراسة النص الجاحظي من خلال تحليل خطابه الوصفي، بدراسة أساليب الوصف، وتحليل أنظمته الدلاليّة، ومن ثم إبراز أهمية ذلك الخطاب في تمثيل المرجعية الاجتماعية والثقافية والجمالية. كما أطمح – عبر هذه الدراسة - إلى الإسهام في مشاركة من يحاول أن يثري الدراسات القليلة جدًا عن الخطاب الوصفي. هذا الخطاب الذي لم يواكب صنوه: الخطاب السردي في مستوى الدراسات المقدّمة عنه باعتراف منظريه الغربيين . ولمـّا كانت تلك الرغبة تتطلّب مادة يمكن استثمارها؛ فقد وقع الاختيار على نصوص الجاحظ؛ فهي مادة أدبيّة كافية لتمثيل النثر العربي القديم في مختلِف أجناسه واتجاهاته. وأما مادّة البحث فقد انتقيت من نصوص الجاحظ:كتاب ""البخلاء""، تحقيق طه الحاجري للتعديلات والتعليقات التي أضافها على تحقيقي: فان فلوتن، وأحمد العوامري بك وعلي الجارم بك. وكتاب ""الحيوان"" معتمدة على نشرة عبد السلام هارون، في طبعته الثانية؛ لأنها الأشمل نصوصًا والأوفى تحقيقًا والأحدث زمنًا، الصادرة في مصر1965م. و""رسائل الجاحظ"" المجموعة من مصادر مختلفة من المخطوطات والمطبوعات من مكتبة داماد بتحقيق وشرح عبدالسلام هارون، والصادرة عام 1964م. وكتاب ""التربيع والتدوير""، نشر وتحقيق شارل بلا، الصادر عن المعهد الفرنسي بدمشق عام 1955م . ولقد استثنيت ""البيان والتبيين""؛ لأن غالب نصوصه من المرويات، وتندر فيه المقاطع الخطابية ذات الصبغة الإبداعية. إنّ نشأة النظرية الوصفية المعاصرة في بيئة غربية صرف، وارتباط منجزها بالرواية الواقعية غالبًا، قد حتّما علينا مراعاة خصوصية النص التراثي الثقافية والأدبية معًا ، وذلك عند الاستفادة من هذا المنجز. فالمنطلقات مختلفة والمدونات المعتمدة متباينة، فضلاً عن تباعد الأوساط الثقافية والمعرفية التي نشأ فيها تراثنا العربي ونشأت ومازالت تنشأ فيها النظريات الغربية. لكن هذا الأمر لم يقف عائقًا بقدر ما كان محفّزًا، نثبت من خلاله تعدّد أوجه المثاقفة واستمرار حركة التأثِّر والتأثير بين الآداب؛ ذلك أن استثمار تلك الدراسات المقنّنة في تراثنا الأدبي يعين على قراءة جادّة تكشف ما يتسم به من عمق، وما يرتكز عليه من أسس، وما يربط بين نصوصه المتفرقة من سمات مشتركة. وإنّ المنهج الذي سأتوخّاه منهج نسقي إنشائيّ، استكمل به المنظّرون للوصف ما شاب النظريات السرديّة من نقص في هذا المجال. وسأبني دراستي على مجالي البحث اللذين سيطرا على الدراسات النظرية الوصفيّة وهما المجال السيميائي ويمثّله فيليب هامون، ومجال اللسانيات النصيّة ويمثله بصفة خاصة جان ميشال آدم وآندري بوتي جون وفرانسواز ريفاز. ثم سأحاور المكتسبات النظرية بما يتلاءم ونصوص الجاحظ؛ واضعة في الحسبان أني أدرس الوصف في نصوص أدبية تراثية لها خصوصيتها التي تنفرد بها، ولها قيمها التداولية وخصائصها التخاطبية في العصر الذي كتبت فيه؛ لأن قيمتها المرجعية عالية الكثافة.