النقد الثقافي في ضوء الإسلام
ـ مصطلح ""النقد الثقافي"" في ضوء الإسلام هو ""كَشْف الصحيح من الزائف في الفكر والسلوك انطلاقاً من مِنهاج الإسلام في قِيَمِه ونُظُمه""، وهو ـ بهذا التعريف ـ منهج نَهَجَه القرآن الكريم واسْتَنّ به النبي ـ صلى لله عليه وسلم ـ واتَّبَعه على ذلك أصحابه الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ وعَمِل به التابعون لهم بإحسان إلى يومنا هذا، والهدف من وصف النقد ""بالثقافي"" تمييزه عن غيره من أنواع النقد كالنقد الأدبي أو النقد التاريخي وغيرهما. ـ للنقد مركز أساس ومكانة عُلْيا في سلم أعمال الإنسانية، يتضح ذلك من خلال: 1- ضرورة النقد: فهو حتمية حضارية، وضرورة ارتقائية، وجبلّة بشرية، واستجاشة وجدانية، وظاهرة إنسانية، وأسلوب اجتماعي. 2- أهمية النقد: منهج للمراجعة، وكاشف للأخطاء، وأداة للبناء، ووسيلة للإصلاح، وأسلوب للتطوير. 3- أهداف النقد: الوصول إلى معارف وحقائق جديدة، وبناء الحضارات، والتخطيط للمستقبل. ـ للنقد الثقافي منـزلة سامية في الإسلام، فدعـوة الأنبياء ـ جميعاً ـ كانت بناء ونقداً ثقافياً من أجل الإصلاح الذي هو ""كَشْف الصحيح من الزائف في الفِكر والسَّلُوك انطِلاقاً من مِنهاج الإسلام في قِيَمِه ونُظُمه""، و معرفة الحق وإحقاقه ومعرفة الباطل وإزهاقه، وعلى هذا فالنقد الثقافي هو أَحَد أهداف إرسال الرسل وإنزال الكتب، ولَإن كان اعتبارُ النقد الثقافي أحد أهداف إرسال الرسل وإنزال الكتب كافياً في إثبات مشروعيته إلا أننا سنُشِير إلى عدة مبادئ إسلامية تَنْطوي في مفاهيمها على فحوى ""النقد الثقافي"" ومقصوده أَوْلاها الوحي عناية خاصة وجعلها مقررات في هذه الشريعة، من هذه المبادئ: 1- طلب الحق والصواب، الذي هو في حقيقته تمحيصٌ وتدقيق ومقارنات وترو وتقليب للفكر وعرض للأوجه والرؤى والأفكار الموجودة، ومن ثَمَّ اختبارها اختباراً مبنياً على حقائق الوحي الإلهي أو حقائق الفطرة أو حقائق هذا الكون وسُنَنِه، يَعْقُب ذلك النظر إليها بعين المُتبصِّر الحاذق للخروج إلى الحل الصحيح. 2- مبدأ النصيحة، فالمنصوح قد وقع في إشكالية، ومُهِمَّة الناصح أن يَكْشِف له الأمر ويُجَلِّيه له ويضع له الحلول ويُقوِّمها ويَزِنها بميزان الشريعة، ويُرشِده إليها. 3- الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، و هو حركة إصلاحية تقويمية تهدف إلى إخضاع السلوك والأفكار وفق منهاج الله. 4- مبدأ الشورى، وهو عَرْضُ أمرٍ ما من الأمور التي تهم الفرد أو المجتمع على ذوي الرأي والخبرة لدراسته وإبداء الآراء في شأنه مع بيان الحجج لاستخراج الرأي الراجح من تلك الآراء. 5- التوجيه للتفكير والنظر والاعتبار، وهو تأمل وتنقيب، وفحص ما في الكون والأنفس من سنن الله، وقراءتها قراءة فكرية متأنية. 6- التحذير من التقليد الممنوع، فهو قتل للإبداع وإضفاء عصمة وقداسة على ذات الشخص المقلَّد ووقوف لحركة الاجتهاد والفكر التي هي من واجبات هذا الدين وحتميات الرقي الحضاري، كما أنه ينافي التفكر والتدبر ويعطِّل الوعي ويقضي على روح التجديد. نحسب أن كل مبدإٍ من هذه المبادئ صورة من صور النقد الثقافي، إذ أن هذه المبادئ تحمل بين مضامينها ""كَشْف الصحيح من الزائف في الفكر والسلوك انطلاقاً من مِنهاج الإسلام في قِيَمِه ونُظُمه"". بناءً على منـزلة النقد إنسانياً وإسلامياً فإنه لابد من العناية بالنقد الثقافي في ضوء الإسلام، والتأسيس عليه، وانتهاج نهجه، وإبراز الدراسات النقدية المبْنِيَّة عليه، والاهتمام به، وطرح المعالجات الثقافية عبر وسائل الإعلام بأساليب متنوعة وصور متعددة، وعقد الندوات، وإجراء المسابقات العلمية، وتفعيل دور أساتذة الجامعات، وتوجيه الباحثين لهذه القضية في الرسائل الجامعية وغيرها، حتى يقف النقد الثقافي في ضوء الإسلام في مكانه اللائق به.