الشعر في القصيم من عام 1351 إلى عام 1420 هـ. دراسة موضوعية وفنية /
وقد شجّعني على اختياره وتسجيله أسباب منها : 1 ـ حاجة المناطق والأقاليم الداخلية في المملكة إلى المزيد من تسليط الأضواء العلمية عليها ، ودراسة النواحي التاريخية والاجتماعية والأدبية فيها ، حيث لم تحظ بما حظيت به منطقة الحجاز ، التي نالت من الاهتمام والعناية الشئ الكثير ، بينما انصرفت الأضواء عن دراسة أحوال المناطق الأخرى البعيدة عن سوق الصحافة والإعلام من مثل مناطق : القصيم ، وعسير ، وجازان ، والمنطقة الشرقية ، وحائل ، والتي تنتظر من يمنحها جزءاً من الاهتمام ، حيث تحتضن أصواتاً شعريةً أصيلةً ومتمكّنة . 2 ـ محاولة الإجابة عن السؤال الكبير الذي ألحّ على تفكيري منذ سنواتٍ عديدةٍ بعد أن حضرت عدداً من الأمسيات الشعرية التي تقام في النادي الأدبي ، وفي مركز ابن صالح الثقافي ، وكانت النصوص الشعرية المقدّمة عالية المستوى ، وكان الحضور فيها متميزاً وكبيراً ومتفاعلاً ، وهذا السؤال هو : أليس من حق هؤلاء الشعراء أن تخصّص لهم رسالةٌ أو كتابٌ علميٌ يحصيهم ، ويتتبع مسيرتهم الشعرية ، ويرصد سمات وملامح شعرهم ؟ ثم لماذا لم تظهر حتى الآن مثل هذه الدراسة ؟ إذ أنني حين أحصيتُهم إحصاءً مبدئياً / تقريبياً من خلال معرفتي الخاصة بهم ، ومن خلال تراجمهم في كتب التراجم ، وجدتُ أن شعراء المنطقة يشكّلون ـ عددياً ـ ربع الشعراء في كتاب : أ / عبد الكريم الحقيل : شعراء العصر الحديث في جزيرة العرب ، ونصف الشعراء في كتاب : أ / عبد الله بن إدريس : شعراء نجد المعاصرون ، ومن خلال كتب دراسات الأدب السعودي ، فوجدت أعدادهم مشجعةً ، ومستواهم لا يقلّ عن مستوى أقرانهم من شعراء المناطق الأخرى من المملكة ، كما أن سمعتهم انتشرت في أنحاء المملكة وخارجها ، وقرأت وسمعت من الإشادةٍ بمستوى الشعر والشعراء في القصيم من النقاد والدارسين من خارج المنطقة ، بل ومن خارج المملكة ، ممن يشيدون بشعرها وشعرائها ، من أمثال : أ / أحمد قبش ، د/ بكري شيخ أمين ، د/ علي جواد الطاهر ، د/ بدوي طبانه ، د/ محمد الشنطي ، د/ محمد الخطراوي ، د/ عمر الطيب الساسي وغيرهم . مما جعلني أفكر في تخصيصهم بدراسةٍ علميةٍ شاملةٍ ، لعلها تجيب عن هذا التساؤل . 3 ـ ريادة المنطقة وأبنائها في عددٍ من جوانب الحياة الدينية والعلمية والرسمية والأدبية على مستوى المملكة ، فقد قدّمت المنطقة عدداً من العلماء المشهورين ، وعدداً آخر من القضاة الذين كان الملك عبد العزيز يأمر بتعيينهم في أرجاء المملكة ، وعدداً آخر من الأدباء والشعراء الذين أصبحوا من أعلام الشعر السعودي الحديث ، من أمثال : محمد العيسى ، وإبراهيم العواجي ، وأحمد الصالح ، ومحمد الشبل ، وإبراهيم الدامغ ، و عبد العزيز النقيدان ، و محمد المسيطير وغيرهم ، وعدداً آخر من السفراء والوزراء والمستشارين . 4 ـ عدم وجود دراسةٍ مستقلّةٍ وشاملةٍ عن الشعر الفصيح في المنطقة ، وحاجة المكتبة العربية لمثل هذه الدراسة ، وقلّة اهتمام الدارسين والمؤرخين بالشعر الفصيح ، إذ غالباً ما ينال الشعر العامي الاهتمام والصدارة أكثر من الشعر الفصيح ، فعند الكتابة عن المنطقة أو عن محافظةٍ من محافظاتها ،ويأتي ذكر الشعر والشعراء ، يتصدّر الشعر العامي الكتاب ، وينال الاهتمام أكثر من الفصيح ، كما في سلسلة الرئاسة العامة لرعاية الشباب في الكتب المؤلفة عن المنطقة ومحافظاتها ، ومثل كتاب : رجال من القصيم ـ إبراهيم المسلم ، وكتاب : من شعراء بريدة : سليمان النقيدان ، وشعراء عنيزة الشعبيون : لمؤلفيه سليمان الهطلاني ، و عبد الرحمن العقيل ، بينما تقلّ الكتب التي تترجم لشعراء الشعر الفصيح في المنطقة وتدرس شعرهم بالطريقة نفسها . فحفّزنتي تلك الأسباب لاختيار الموضوع ، وبعد أن فحصتُه من جميع جوانبه وجدته جديراً بالبحث ، فعقدت العزم ـ مستعيناً بالله ـ على اختياره وفق الحدود الموضوعية والمكانية والزمانية الموضّحة : أ ـ فقد اخترت دراسة الشعر في المنطقة ليس لأن الشعر فيها يتميّز عن الشعر في المناطق الأخرى ، وإنما درسته مقارنةً ببيئته ومحيطه ، ولوجود حركة شعرية تؤهّل لقيام دراسةٍ علميةٍ ، ولأن المنطقة تضمّ عدداً من الشعراء الذين لم تصل أصواتهم الشعرية إلى المتابعين في الداخل والخارج ، لأسبابٍ مختلفة . ب ـ كما أنني حدّدت الموضوع بالشعر دون النثر رغبةً مني في تحديد نطاق البحث لما فيه من مصلحةٍ للباحث ، وللموضوع ، حيث من العسير على باحثٍ واحد دراسة الشعر والنثر في المنطقة في رسالةٍ واحدةٍ ، فالنثر في القصيم يحتاج لدراسةٍ علميةٍ شاملةٍ وموسّعةٍ ، وعسى أن يتاح لباحثٍ آخر القيام بها . جـ ـ كما حدّدته بمنطقة القصيم: لأنها في نظري من أنشط النواحي في المنطقة الوسطى من المملكة في جانب الشعر ، وهي منطقةٌ رائدةٌ في التعليم والتجارة والأخذ بأسباب الحضارة والرقيّ ، والتواصل مع البيئات المحيطة ، فقد بلغ عدد الشعراء الذين تعرّضت لهم الدراسة أكثر من 80 شاعراً ، وقرابة 100 ديوانٍ شعريٍ ما بين مخطوطٍ ومطبوع ، على الرغم من كون الدراسة ليست إحصائية ، ، فكان من حق المنطقة على أبنائها أن يبرّوها بدراساتٍ علمية تكشف ما خفي من أحوالها .