علوم القرآن عند ابن قدامة جمع ودراسة /
فمن العلماء الذين كان لهم دور كبير وبارز في خدمة القرآن الكريم وعلومه ؛ الإمام الفقيه الزاهد موفق الدين أبو محمد عبدالله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي (541-620هـ) ، وقد كان رحمه الله عالماً فاضلاً وإماماً جليلاً في علوم شتى ، إلا أن شهرته قد استفاضت في الفقه وأصوله ، وكان هذا سبباً في عدم معرفة البعض بجهوده العظيمة في خدمة القرآن وعلومه ، وتتمثل تلك الجهود بالمصنفات التي صنفها في القرآن وعلومه ، وبآرائه وأقواله المثبوتة في مصنفاته الأخرى ، وإني لأحمد الله عزّ وجل وأشكره على أن منّ عليّ بفضله وتوفيقه لجمع أقوال هذا الإمام الجليل من خلال هذه الرسالة (علوم القرآن عند ابن قدامة جمع ودراسة) . هذا وقد قسمت هذه الرسالة إلى مقدمة ، وتمهيد عرضت فيه عصر ابن قدامة وحياته بإيجاز ، ثم وزعت أقوال ابن قدامة في علوم القرآن على تسعة فصول : الأول : في تعريف القرآن ونزوله وعدِّه وتقسيماته وإعجازه . الثاني : في فضائل القرآن وآدابه . الثالث : في القراءات . الرابع : في المحكم والمتشابه . الخامس : في التأويل . السادس : في النسخ . السابع : في دلالات الألفاظ . الثامن : في الحقيقة والمجاز . التاسع : في سجدات القرآن . ثم ختمت بأهم النتائج التي توصلت إليها من خلال البحث ، ومن أبرزها : ـ أن ابن قدامة يتميز بطريقة سليمة ومنهج دقيق في بحثه للمسائل العلمية ، فهو يعتمد على الأدلة والآثار والبحث النافع ، بعيداً عن التكلفات الكلامية والطرق الفلسفية والاحتمالات البعيدة التي تهدر دلالات النصوص وأحكامها ، كما أنه يتميز بسلامة المعتقد مما كان لها الأثر في تعامله مع النصوص التي ترد في علوم القرآن مما يمس الاعتقاد. ـ أن بعض موضوعات علوم القرآن كالمحكم والمتشابه والتأويل والمجاز وغيرها ، كان للانحرافات العقدية أثر سلبي في دراستها ، ومن خلالها توصل الضالون إلى تعطيل وتحريف النصوص الشرعية ، ومن ثمّ كان من الأهمية بمكان تحقيق القول في هذه الموضوعات . ـ أن علوم القرآن وأصول الفقه بينهما علاقة وثيقة ورابطة قوية ، ولهذا وجدنا المفسرين قد تبعوا الأصوليين في كثير من المباحث الأصولية ، ويعود هذا إلى أن قواعد الأصوليين قواعد عامة يصلح أن تعمل خارج مجال الوصول إلى الحكم الفقهي، وساعد على ذلك أن قواعد علم الأصول قد وُضعت لتفسير النصوص الشرعية ، فهذه الطبيعة التفسيرية لأصول الفقه حملت المفسرين على إدخال كثير من مسائله في علوم القرآن ، وأراحتهم من عملية التقعيد والتأصيل . وقد ظهر لي أن الزركشي لعب دوراً بارزاً في إدخال كثير من مباحث أصول الفقه في علوم القرآن ، وهذا عائد إلى ملكته الأصولية التي برزت بجلاء في مواضع كثيرة من كتابه "" البرهان "" والذي يعد أوسع وأهم كتاب في علوم القرآن ، وكل من صنف في علوم القرآن – ممن جاء بعده – كان عالةً عليه في برهانه . هذه أبرز النتائج ، وهناك غيرها من النتائج التي لا يعدم الناظر في هذا البحث من الوقوف عليها .