مفردات المذهب الحنفي في الحج دراسة فقهية مقارنة /
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد: فإنَّ الناظرَ بتجرُّد وموضوعيّة في التّراث الفقهي الإسلامي المتنامي عبرَ العصور، الشامل لجميع مناحي الحياة، لا يتردّد في الجزم بأنّ دينَ الإسلام هو الدّين الوحيد الذي بإمكانه إعلاءُ صروح الحضارةِ وتحقيقُ العدل والأمن والسعادة للبشرية؛ فهو دين عقيدة وشريعة، دينُ يُسر وسماحة ورَفع حرج وإزالة للضرر. ومن ميزات هذا التراث الفقهي الحميدة اختلافُ آراءِ العلماء واجتهاداتهم في كثير من المسائل؛ وذلك لأنّ هذا الاختلاف يجعلُ مجالَ النّظَر والدراسة مفتوحًا، مما يفجِّر ينابيع البحث العلمي ويثري الفقه الإسلامي بزيادة التدقيق والتحقيق والتوثيق. وقد أخَذَ اختلافُ العلماء في مسائل الفقه أشكالاً متنوعة، ومن أهمّ تلك الأشكال وأبرزها أن يكون الخلافُ بين الجمهور وبين مذهب من المذاهب الأربعة؛ وهو ما يُسمى بالمفردات الفقهية. وبسبب أن للمذهب الحنفي في الفقه مدرسةً متميِّزة عن مدرسة علماء المذاهب الأخرى كانت فكرةُ هذا البحث، الذي عُنِيَ بجانبٍ واحدٍ من جوانب هذا التراث العظيم، ألا وهو مسائل الحج. فلقد كان للمذهب الحنفيّ - بحكم الأصول التي بُنِيَ عليها - حكمُه وطابعُه الخاصّ في جملةٍ من مَسائل الحجَ، فجاء هذا البحثُ ليجمعَ شتاتَ تلك المسائل ويُرتِّبها، ويصوِّرُ الخلافَ في كلّ مسألة، ويوثِّق أقوال العلماء فيها، مع بَسط الأدلّة ومناقَشتها، وترجيح ما ظَهر رجحانُه وقوِيَ برهانُه، مع ذكرٍ لسبب الخلاف، وربطٍ بالواقع المعاش. وبعد رحلةٍ شيّقة وتجوُّل ممتِع بين رياض البَحث العلمي، كان هذا الجَنَى، الذي أسأل الله تعالى بمنِّه وكرمه أن يجعلَه خالِصًا لوجهِه الكريم، وأن ينفعَ قارئَه وجامِعَه، إنه وليّ ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلّم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.