شواهد الحديث النبوي في الدراسات البلاغية إلي نهاية القرن الخامس الهجري عرض ودراسة /
وكان أهم ما توصلت إليه هذه الدراسة ما يلي: 1- جَمَعَتْ هذه الرسالةُ بين دفتيها ما تفرق من أحاديث رسول الله في كتب البلاغة المعنية بالدراسة، وقد بلغت مجموع ما حوته من الأحاديث أكثر من خمسمائة حديث؛ بينت ما قاله أهل العلم فيها، ونقلت حكمهم عليه من حيث الصحة والضعف، وتوقفت عن الأحاديث التي لم أجد لها ذكراً في كتب السنة المشهورة كالصحاح والسنن والمسانيد وكتب المصنفات وغيرها، ثم جمعت في نهاية كل فصل و مبحث ما ورد فيه من الأحاديث الموضوعة والضعيفة. 2- بَيَّنْتُ كثيراً من مكامن الدس ومواضع التأويل والتحريف في بعض الدراسات البلاغية التي عنيت بها هذه الرسالة، وصححت ما استطعت تصحيحه من تلك الآراء المخالفة لعقيدة أهل السنة والجماعة، حسب ما سمحت به ظروف هذا البحث. وهذه والتي قبلها –أعني تصحيح الأحاديث وتضعيفها- ميزتان لا توجد في كثير من الدراسات البلاغية قديمها وحديثها، إذ إن كثيراًَ من البلاغيين لا يهتمون بدرجة الأحاديث التي يستشهدون بها، ولا يعتمدون في عزوها على مصادر السنّة المعتبرة، ثم إن بعضاً منهم –غفر الله لهم- ينقل بعض الآراء المخالفة للمعتقد الصحيح من غير تنبيه على ذلك. 3- يلاحظ أن أغلب البلاغيين يستشهدون بالأحاديث النبوية دون تعليق عليها، وقليل منهم من يعلق عليها ويحللها تحليلاً بلاغياً كعبد القاهر والشريف الرضي، وهذا مما زاد من صعوبة البحث، لأنني قمت بتحليل جميع الأحاديث الداخلة في نطاق الدراسة مع قلة المصادر فيها. 4- اختلفت مقاصد البلاغيين في الاستشهاد بالحديث النبوي، وانقسموا في ذلك إلى ثلاث مجموعات: أ- مجموعة كانت تستشهد بالحديث لأغراض بلاغية أدبية بحتة، وأشهرهم عبد القاهر الجرجاني. ب- ومجموعة أخرى كانت –بالإضافة إلى ما سبق- تدافع عن السنة النبوية، وتنتصر لمنهج أهل السنة والجماعة في أسماء الله تعالى وصفاته وفي الغيبيات التي لا مجال للعقول المحدودة فيها، وتحمل نفسها على إتباع النص والإذعان له، والاحتكام إلى الأصول التي وضعها المحدثون في تحري سلامة الرواوية بالتأكد من سلامة السند، وهذا هو منهج أهل الحديث، ويمثلهم ابن قتيبة الدينوري. جـ- ومجموعة ثالثة كانت تلجأ إلى العقل وتقدمه على النص، وتطعن في الأحاديث –وإن صحت- التي تتعارض في ظاهرها مع عقولهم القاصرة، وتتكئ في ذلك على المجاز، فيردون النصوص التي تبطل مذهبهم بالمجاز زاعمين أن المعنى الظاهر غير مراد، وأن القرينة الصارفة عن ظاهره هي العقل!!، وهذا مذهب المعتزلة وأهل البدع عموماً، ويمثلهم في هذه الدراسة أبو عثمان الجاحظ -أحياناً- والشريف الرضي كثيراً، وهما جبلان في البلاغة، غير أنهم كانوا ينتصرون لعقيدتهم ولو خالف ذلك الذوق البلاغي الصحيح، والقرائن اللفظية المحيطة بالنص!. 5- درست بعض مسائل البلاغة الخلافية، ورجحت ما رأيته راجحاً بدليله، كالخلاف في التشبيه البليغ: هل هو من التشبيه أم من الاستعارة؟ وما ترتب على ذلك من التنازع في بعض الشواهد. ومن ذلك -أيضاً- شروط الفصاحة والبلاغة، وأهمية علم البديع ومنزلته بين علوم البلاغة الثلاثة... 6- وجدت أن الشواهد الحديثية المسشتهد بها في الدراسات البلاغية –على قلتها- تغطي على أغلب مسائل علوم البلاغة، وهذا يدل على أن في السنة النبوية شواهد لجميع قواعد البلاغة بعلومها الثلاثة. 7- مهّدت لكل باب وفصل ومبحث بتمهيد موجز حول تعريفه وتقسيماته وبلاغته ووجوه جماله. 8- شرحت الغريب من الكلمات، والوعر من الألفاظ، وذكرت بعد كل حديث معناه الإجمالي موجزاً. 9- ضبطت الأحاديث والأبيات الشعرية بالشكل الكامل. 10- ما ورد من أعلام في هذه الرسالة، فقد ترجمت لأغلبهم. 11- ذيلت الرسالة بفهارس فنية لمحتوياتها؛ لتسهيل الإفادة منها. هذه أهم النقاط التي وقفت عندها وحاولت تسليط الضوء عليها، فما كان فيها من صواب فهو بتوفيق الله ، وما كان دون ذلك فهو مني ومن الشيطان الرجيم، وأسأل الله أن يتجاوز عني، ويتغمدنى برجمته، إنه وليّ ذلك وهو أكرم الأكرمين. توصيات واقتراحات: في نهاية هذا البحث فإنني ألفت أنظار البلاغيين إلى عدد من الأمور المهمة التي تحتاج إلى عناية ودراسة، وهي: 1- لا خلاف بين البلاغيين في أن رسول الله هو أفصح العرب، وأن الحديث النبوي في الذروة من البيان، وأنه لا يرتفع فوقه في البلاغة والفصاحة إلا كلام الله ، ومع ذلك فإن الأحاديث النبوية المستشهد بها في الدراسات البلاغية قديمها وحديثها قليلة جداً؛ ولذا فإني أدعو الباحثين والدارسين وواضعي المناهج إلى الإكثار من الاستشهاد بالحديث النبوي، لتحصل لدارس البلاغة العربية الإفادة منه بلاغياًً؛ إذ هو أفصح كلام، وأحكم بيان، وليجد منه ما ينفعه في شرعه ودينه، فتحصل له المتعة المشتركة، والفائدة المزدوجة. 2-كثير من الدراسات البلاغية أغفلت العناية بالحديث من حيث معرفة ما صح منه وما لم يصح، علماً بأن الأحاديث النبوية قد خدمت ما لم تخدم لغيرها، وظفرت بجهود ضخمة في التحرّي والدقة والتثبت من صحة نسبته إلى النبي ، ولذا أدعو الباحثين -عند استشهادهم بالأحاديث النبوية- إلى الرجوع إلى أهل هذا الفن المعتبرين، وعلمائه المحققين، لتكون دراساتهم قائمة على أساس قوي متين،...