المسائل الفقهية التي خالف فيها موفق الدين بن قدامة (ت 458 هـ.) القاضي أبا يعلى (ت. 458 هـ.) من أول كتاب الطهارة إلى نهاية كتاب الجهاد
أوجز في هذه العجالة ما استخلصته منها من مستنبطات ومستخرجات فمن ذلك : أولاً : أن الموفق أحياناً يخرِّج أحاديثه التي يحتج بها في المسألة ، فيقول مثلاً متفق عليه، أو أخرجاه في الصحيحين ، أو أخرجه أبو داود ، أو الترمذي ، أو النسائي ، وهو ما لا يفعله القاضي إلاَّ قليلاً .وهذا يعني أن اهتمام الموفق بتخريج أحاديثه أكثر وأغلب من اهتمام القاضي بذلك . ومن الأمثلة على ذلك : 1-في مسألة : غسل اليدين قبل إدخالهما الإناء ، احتج القاضي بحديث أبي هريرة مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "" إذا قام أحدكم من النوم فلا يدخل يده في الإناء ..."" ولم يذكر من خرَّجه . بينما الموفق حينما استدل لمذهب القاضي بالحديث ذاته ذكر أنه متفق عليه ، بل وذكر الحديث من لفظ آخر وذكر أنه لفظ مسلم . 2- وفي مسألة : نسيان النجاسة ثم العلم بها بعد أداء الصلاة ، احتج الموفق لمذهبه بحديث أبي سعيد الخدري ، وفي آخره قال : رواه أبو داود . 3- وفي مسألة : نية الإمامة بعد الدخول منفرداً في النافلة : احتج الموفق بحديث ابن عباس ، وقال بعد أن ذكره : متفق عليه . واحتج بحديث عائشة فقال : رواه البخاري . ثانياً : أن القاضي يميل للانتصار للمذهب بقطع النظر عن كونه وافق الأدلة الصحيحة أم لا . بينما الموفق ينتصر للرواية التي تعضدها الأدلة الصحيحة بقطع النظر عن كونها هي المذهب أم لا . من الأمثلة على ذلك : 1-في مسألة : انتقال المني مع عدم خروجه ، اختار القاضي رواية وجوب الغسل بانتقال المني ، ولو لم يخرج ، وهي المذهب ، مع أنها تخالف الحديث الصحيح . 2- وفي مسألة : نية الإمامة بعد الدخول منفرداً في النافلة ، اختار القاضي عدم صحة صلاة من صلى منفرداً ثم قلبها إلى نية الإمامة بعد دخول واحد معه في الصلاة . وهو المذهب عند الحنابلة . ، مع أن الحديث الصحيح على الخلاف من ذلك كما هو ظاهر في موضعه هنالك . ثالثاً : الذي يظهر - والله تعالى أعلم - أن اختيارات الموفق أوفق بمذهب أحمد ، وألصق من اختيارات القاضي ؛ لأن الموفق غالباً لا يعتمد في الدليل إلاَّ على الأثر ، بينما القاضي تراه غالباً يعتمد النظر . وقد كان أحمد يؤثر تقديم الأثر على النظر . رابعاً : أن القاضي كثيراً ما يحتج بالقياس . وقد يكون هذا القياس في مقابلة النص. من الأمثلة على هذا : 1-في مسألة : إعادة الصلاة لفاقد الطهورين ، احتج الموفق على عدم إعادة الصلاة لمن فقدهما بحديث قلادة عائشة رضي الله تعالى عنها التي أضلتها ، ثم حضرت الصلاة ، فصلى بعض الصحابة بغير وضوء ، أو تيمم ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الصلاة . واحتج القاضي على وجوب الإعادة بالرأي ، والقياس ، فخالف النص! 2- وفي مسألة : نية الإمامة بعد الدخول في الصلاة منفرداً ، احتج القاضي على عدم جواز نقل النية من الإنفراد إلى الإمامة بأقيسة ذكرها ، وكانت تخالف نصوصاً وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرها الموفق في موضعها هناك. 3- وفي مسألة : الاستخلاف بعد سبق الحدث ، استدل القاضي على مذهبه بأقيسة ، وكانت تخالف نصوصاً وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم . خامساً : أن القاضي إذا نقل الرواية عن أحمد ، نجده دائماً يعتني بذكر من نقلها من أصحابه ، وهو أمر نفتقده كثيراً عند الموفق . من الأمثلة على ذلك : 1-في مسألة الاستخلاف بعد سبق الحدث في الصلاة أورد القاضي رواية عن أحمد بعدم جواز الاستخلاف ، واختارها ثم ذكر من نقلها عن أحمد من أصحابه . 2- وفي مسألة : صلاة المفترض خلف المتنفل ، اختار القاضي عدم الجواز ، وأسند ذلك إلى أحمد ، وذكر من نقل هذه الرواية عن أحمد من الأصحاب . 3- وفي مسألة : ضمان قتل الصيد على غصن شجرة في الحل أصلها في الحرم ، اختار القاضي رواية عدم الضمان ، ثم ذكر من نقلها من أصحاب أحمد عنه . سادساً : ولا بد أن ننوِّه في خاتمة الخاتمة إلى ما يتحلى به الموفق والقاضي من خلق حسن، والتزام بآداب الخلاف فلا شتائم ولا تسفيه ولا سباب مع المخالف في الرأي ، وهذه هي طريقة أهل العلم ، حيث همهم البحث عن الحق ، والصواب والقبول به كائناً مع من يكون . ولهما في ذلك سلف في الأمة فهذه عائشة رضي الله تعالى عنها عندما بلغها قول ابن عمر رضي الله تعالى عنهما : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر أربع عمر ، إحداهن في رجب ) قالت : يرحم الله أبا عبدالرحمن ما اعتمر إلاَّ وهو شاهده ، وما اعتمر في رجب قط . متفق عليه . سابعاً : أما ما له علاقة بالترجيحات فقد رجحت قول القاضي في نحو عشرين مسألة وقول الموفق في أربعة وأربعين مسألة وخرجت عن قولهما في ثمان عشرة مسألة وتوقفت في مسألة واحدة .