الوسائل والمقاصد في مسائل الاعتقاد
فهذا البحث قد تضمن ما بلغه جهدي من النظر في مقاصد التشريع العلمي والعملي، المتعلق بمسائل الاعتقاد. ولقد حاولت قصارى جهدي أن يخرج على أحسن وجه وأكمله، مما دعا للبحث في جملة وافرة من المصادر والمراجع في مختلف الفنون، والتوسع والثبات في مجال البحث العلمي. وذلك من أعظم وسائل زيادة العلم، الذي أصله العلم بالله تعالى، وبما أخبر به في كتابه وسنة نبيه ، المقتضي زيادة الإيمان في الظاهر والباطن. وخلاصة الفوائد والنتائج التي توصلت إليها ما يلي: 1- بيان حقيقة الوسائل والمقاصد، وأنها من أهم العلوم المتعلقة بالكتاب والسنة، وأن أصل الوسائل والمقاصد ما تعلق منها بمسائل الاعتقاد، خلافا لمن توهم أنه لا علاقة لها بالعقيدة، بل هي من العلوم المختصة بالتشريع العملي. 2- أصل العلم بالوسائل والمقاصد الكتاب والسنة، فليس أمرا محدثا، بل قواعده وضوابطه مبثوثة في كلام السلف، فلا يكاد يخلو قول من أقوالهم في مسائل الاعتقاد عن تأصيل أو تفصيل لهذا العلم. 3- مقتضى الوسائل والمقاصد جلب المصالح وتكميلها، أو درء المفاسد وتقليلها، بحفظ الدين والدنيا. 4- أهمية بناء الجزئيات على الكليات، والتفصيل على التأصيل، وكمال العلم في ربط العلوم بعضها ببعض. 5- تجاوز العلم بظواهر الأمور وسطحيتها إلى إدراك مقاصدها وغاياتها. 6- تثبيت القلوب، ورسوخها، واطمئنانها وزيادة يقينها بإثبات حكمة الله تعالى، وعلل الأحكام، ومعرفة آثارها وعواقبها. 7- معرفة الوسائل والتزام سبيلها الموصلة إلى مقاصدها السامية سبب الاستقامة، وطريق النجاة. 8- معرفة الوسائل والمقاصد الشرعية الصحيحة عصمة من الفتن والشبهات، ومانع من الانحراف والوقوعِ في الحوادث والبدع. 9- مبنى الشريعة على اتّباع الكتاب والسنة، والانقياد والتسليم المطلق لهما، فهما الدليل الشرعي، والبرهان القطعي. والاهتداء بهدي السلف الصالح الذين نقلوا ألفاظهما، وبينوا معانيهما. 10- انضباط واطراد وثبات منهج السلف في فهم العقيدة وفي عرضها وتقريرها، وخلوه من الاضطراب والتناقض؛ وذلك لأنهم اتخذوا القرآن والسنة لهم منهجا وسبيلا، وقد قال الله تعالى: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً( )، وقال سبحانه عن نبيه : وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى( ). 11- أصل البدع والضلال مخالفة الكتاب والسنة، والسير على غير هدي سلف الأمة، والجهل بمقاصد الشريعة، والإعراض عن وسائلها المعتبرة، ومنهجهم قائم على تقديم العقل على النقل، وردّ النصوص أو تحريفها إذا خالفت مقتضى الدليل العقلي. 12- أهم ما دعت إليه الشريعة، بل الأصل الذي انبنت عليه هو توحيد الله تعالى وما يستلزمه من الإيمان بما أخبر الله تعالى به، والتزام الطاعات من الأعمال الظاهرة والباطنة. 13- وإنه لمن أعظم المطالب والآمال استقراء وذكر أقوال السلف المتضمنة بيان الوسائل والمقاصد؛ لا سيما مع توفر المراجع المفردة في ذكر أقوالهم المتعلقة بالعقيدة، مما يسهل الوقوف عليها. وذلك يتطلب بحثا مستقلا. 14- كما أن من القضايا المهمة التي تتطلب إفرادها ببحث مستلق، التوسع في التطبيق العملي لقواعد الوسائل والمقاصد في فروع العقيدة ومسائلها، مع ذكر ما يناقضها من عقائد الفرق والطوائف المخالفة.