عقوبة الصلب في الفقه الإسلامي وتطبيقاتها في المحاكم الشرعية
ومن العقوبات الشرعية في الإسلام التي تحقق الردع والزجر عقوبة الصلب وقد اخترت الكتابة في هذا البحث بعنوان : "" عقوبة الصلب في الفقه الإسلامي "" * أهمية الموضوع : تأتي أهمية هذا الموضوع في عدة نقاط منها : أولاً : كون عقوبة الصلب شُرعت لمصلحةٍ تعود إلى صيانة النفوس والأموال والعقول والأعراض لكافة الناس ، والزجر عما يتضرر به العباد من أنواع الفساد. ثانياً : تحقيق أن الإسلام دين الرحمة والرأفة من خلال تشريع العقوبات تحقيقاً لمصالح العباد. ثالثاً : إزالة شبهات غير المنصفين الذين يصفون تطبيق عقوبة الصلب في الإسلام بالقسوة والهمجية. رابعاً : حاجة المختصين من الباحثين وغيرهم لمعرفة حقيقة هذه العقوبة من الجانبين النظري والتطبيقي. خامساً : قلة الدراسات في هذا الجانب المهم من التشريع الجنائي. * سبب اختيار الموضوع : أولاً : ما لمسته في المحاكم الشرعية أثناء لقائي ببعض أصحاب الفضيلة القضاة ، من أن الحاجة ملحة لبحث موضوع الصلب ، وتفصيل القول في مسائله ، نظراً لكثرة الجرائم وتشعبها وخاصة أن التعمق في فهم الأهداف العامة لعقوبة الصلب يُعين على إصابة الحق سواء أكان إيقاعه حداً أم تعزيراً . ثانياً : تنوع الأفعال والأعمال الإجرامية في هذا الزمان ، نظراً للبعد عن منهج الله القويم ، وتوفر وسائل الاتصال والمواصلات والفضائيات التي أفسدت عقول بعض المسلمين ، ولابد حتى ينضبط المجتمع من تطبيق العقوبات الحدية والتعزيرية ، ومن تلك العقوبات عقوبة الصلب من جانبيها الحدي والتعزيري ، والتي غفل المسلمون عن كثير من أحكامها وتفاصيلها لردع أصحاب النفوس الضعيفة . ثالثاً : عدم وجود دراسات أفردت عقوبة الصلب بالدراسة والبحث عدا كتابات متفرقة ومتناثرة في أمهات كتب الفقه ، وإشارات في بعض الرسائل الجامعية ، وسيأتي بيانها _ إن شاء الله _ والمقصود عدم دراسة عقوبة الصلب دراسة شافية مستوفية لجميع المسائل والأحكام ، ثم إني وجدت بعد طول بحث أن أكثر العقوبات الشرعية سبق وأن كُتب فيها مثل القصاص والقطع والنفي والحبس ونحوها عدا الصلب وهو لا يقل عنها أهمية . رابعاً : كثرة ما يتردد في وسائل الإعلام المختلفة من كيل التهم وإثارة الشبهات حول تطبيق عقوبة الصلب في الإسلام ، مما يجعل أهل الغيرة على هذا الدين يبذلون الجهد للرد على ذلك ، ولعل في هذه البحث معالجة علمية موثقة ، وإظهارٌ للحقائق التي يحاول البعض إخفاء معالمها ، وقد قال ابن تيمية ـ رحمه الله ـ « إن إقامة الحد من العبادات كالجهاد في سبيل الله ، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من الله بعباده : فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله . ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات ؛ لا شفاء غيظه ، وإرادة العلو على الخلق : بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ، فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تشير به الأم رقة ورأفة لفسد الولد ، وإنما يؤدبه رحمة به ، وإصلاحاً لحاله مع أنه يود و يؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكل ، والحجم ( الحجامة ) ، وقطع العروق بالفصاد ، ونحو ذلك ، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يُدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة » .